لماذا نكتم الوصايا النافعة عن أجيالنا؟
حامد المهيري
ألهمتني قصيدة الصباح الجديد للشاعر التونسي، أبو القاسم الشابي، حين يقول من عمق قلبه، وبما يحسه من ألم في بدايتها: «اسكني يا جراح.. واسكني يا شجون»، وقصيدة الطفولة في وصف فترتها الحلوة، في بدايتها: «لله ما أحلى الطفولة، إنها حلم الحياة، عهد كمعسول الرؤى ما بين أجنحة السبات..»..
قلت ألهمتني وحركت مشاعري أن أجاهر بصوت عال لماذا نكتم الوصايا النافعة عن أجيالنا ونحرمهم مما ينفعهم لينشئهم نشأة كهولنا ذواتهم، ولا يؤذون أطفالنا، بزرع السلوك الذي يؤذيهم إن تعودوا به منذ بدء طفولتهم؟ ولماذا يقذفون بهم في مسالك تفقدهم انسانية الانسان الحقيقية النقية النظيفة الطاهرة المطهرة؟
لقد وجد في هذا العصر من أبناء آدم من اختاروا عبادة المال أو عبادة الجاه أو غيرها عوضا عن عبادة الله واتباع الخلق الكريمة التي أوصى الله بها عباده، واستغل هؤلاء المنحرفون الأطفال والشبان الذين تنقصهم المعرفة السليمة والخبرة النقية الواضحة المعالم ليسخروهم بمغريات جذابة بعد أن يخدّروهم ويملؤوا فراغهم بالباطل المزين ويغروهم بفعل المنكر على أنه هو المعروف فيشوّهون المعروف، بعد فوات الأوان فيحصل الضرر في العقل وفي الجسم ونخسر أحفادنا الذين ننتظر منهم أن يكونوا هم ورثتنا.
وأمنيتنا أن يكون ورثتنا من الصالحين والصالحات لا يعبثون ولا يفسدون في الأرض، ويسعون بالعلم الصحيح في الكشف ببحوثهم العلمية عن النقائص التي لم يتمكن السلف من الكشف عنها فينفعون الناس ويتحسن نمط الحياة إلى الأفضل. ويستمر التواصل الطبيعي الطيب بين الأجيال وتحمي أحفادنا من الشذوذ والانحراف والفحش، ويصبحون قادرين على التمييز بين الحق والباطل، والصالح والفاسد وبفضل التواصل الفطري السليم تسكن الجراح إن وجدت منذ الصبا ولا تتعفن إن استفحلت بطول الزمن ومرور عهد الطفولة، وتسكت الشجون بفضل الشفاء السريع وتتحقق أحلام الطفولة على أسس صحية سليمة فتسمو أخلاق طفولتنا، ويتزوّد أطفالنا وشبابنا بالتقوى كما أمر خالقنا جميعا «وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى» (البقرة آية 197). يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها».
لاحظ أحد علماء الاجتماع «بعض الناس يحمدون حتى يكونوا أقسى من الصخر وبعضهم يشتدون حتى يكونوا أحر من الجمر، وبعضهم يثقلون حتى يكونوا أمرّ من الصبر وبعضهم يميعون حتى يكونوا كماء البحر، وكل ذلك في الخلق الاجتماعي ذميم». وحصر بعض العلماء مكارم الأخلاق في ما يلي «صدق الحديث وصدق اللسان وأداء الأمانة وصلة الرحم والمكافأة بالصنيع وبذل المعروف وحفظ الذمام للصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم».
ما رأيكم يا من اخترتم عبادة المال والجاه في وصية يحيى بن خالد لابنه: «يا بني إذا حدثك جليسك بحديث فأقبل عليه واصغ إليه ولا تقاطعه بأن تقول إليه: هذا حديث قد سمعته ولو كنت أعلم الناس به وكن كأنك لم تسمعه من قبل فإن ذلك يكسبك المحبة والميل إليك». وفي وصية علي بن أبي طالب «لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»؛ وما هو تعليقكم على هذا الحوار من الحوارات البليغة، قال الرجل لهارون الرشيد «يا أمير المؤمنين إني رغبت أن أعظك بعظة فيها بعض الغلظة فاحتملها» قال هارون الرشيد «كلا، فإن الله أمر من هو خير منك أن يلين القول لمن هو شر مني، إذ قال تعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما أرسله إلى فرعون «فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى» (طه آية 44).
«دخل ابن سينا مرة على مسكويه والتلاميذ حوله فرمى إليه بجوزة وقال له: بيّن مساحة هذه الجوزة؟ فرفع مسكويه أوراقا في الأخلاق ورماها لابن سينا وقال له: أما أنت فأصلح أخلاقك أولا حتى أستخرج مساحة الجوزة»، وخير ما أفيدكم به قول الرسول عليه الصلاة والسلام «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» وأن مكارم الأخلاق: «العقل، والدين والعلم والحلم والصبر والشكر والصدق والجود والرفق واللين» ومن أخلاق العاقل «الحلم، والعلم، والرشد والعفاف والتعاون والحياء والرزانة والمداومة على الخير وكراهية الشر، وطاعة الناصح» فهل اهتديتم يا سكان العالم إلى الحق أم استفحل الضلال في قلوبكم؟
إذا كان القرآن يخبرنا «إن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم» (الأنعام آية 119) ونحن لم نهد أبناءنا وأحفادنا بعلم نافع حتى لا يضلهم الهوى، خصوصا وقد نبهنا القرآن وحذرنا لنحمي أبناءنا وأحفادنا من مخاطر الهوى والمغريات الشيطانية المزينة «أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم» (محمد آية 14) أنسيتم أم تناسيتم يا أهل الذكر قول الله تعالى «من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر» (النور آية 21) وقوله تعالى «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير» (الشورى آية 30)؟ يكفيني أن أذكركم بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة «صغاركم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة» لعلكم تهتدون.
حامد المهيري
ألهمتني قصيدة الصباح الجديد للشاعر التونسي، أبو القاسم الشابي، حين يقول من عمق قلبه، وبما يحسه من ألم في بدايتها: «اسكني يا جراح.. واسكني يا شجون»، وقصيدة الطفولة في وصف فترتها الحلوة، في بدايتها: «لله ما أحلى الطفولة، إنها حلم الحياة، عهد كمعسول الرؤى ما بين أجنحة السبات..»..
قلت ألهمتني وحركت مشاعري أن أجاهر بصوت عال لماذا نكتم الوصايا النافعة عن أجيالنا ونحرمهم مما ينفعهم لينشئهم نشأة كهولنا ذواتهم، ولا يؤذون أطفالنا، بزرع السلوك الذي يؤذيهم إن تعودوا به منذ بدء طفولتهم؟ ولماذا يقذفون بهم في مسالك تفقدهم انسانية الانسان الحقيقية النقية النظيفة الطاهرة المطهرة؟
لقد وجد في هذا العصر من أبناء آدم من اختاروا عبادة المال أو عبادة الجاه أو غيرها عوضا عن عبادة الله واتباع الخلق الكريمة التي أوصى الله بها عباده، واستغل هؤلاء المنحرفون الأطفال والشبان الذين تنقصهم المعرفة السليمة والخبرة النقية الواضحة المعالم ليسخروهم بمغريات جذابة بعد أن يخدّروهم ويملؤوا فراغهم بالباطل المزين ويغروهم بفعل المنكر على أنه هو المعروف فيشوّهون المعروف، بعد فوات الأوان فيحصل الضرر في العقل وفي الجسم ونخسر أحفادنا الذين ننتظر منهم أن يكونوا هم ورثتنا.
وأمنيتنا أن يكون ورثتنا من الصالحين والصالحات لا يعبثون ولا يفسدون في الأرض، ويسعون بالعلم الصحيح في الكشف ببحوثهم العلمية عن النقائص التي لم يتمكن السلف من الكشف عنها فينفعون الناس ويتحسن نمط الحياة إلى الأفضل. ويستمر التواصل الطبيعي الطيب بين الأجيال وتحمي أحفادنا من الشذوذ والانحراف والفحش، ويصبحون قادرين على التمييز بين الحق والباطل، والصالح والفاسد وبفضل التواصل الفطري السليم تسكن الجراح إن وجدت منذ الصبا ولا تتعفن إن استفحلت بطول الزمن ومرور عهد الطفولة، وتسكت الشجون بفضل الشفاء السريع وتتحقق أحلام الطفولة على أسس صحية سليمة فتسمو أخلاق طفولتنا، ويتزوّد أطفالنا وشبابنا بالتقوى كما أمر خالقنا جميعا «وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى» (البقرة آية 197). يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها».
لاحظ أحد علماء الاجتماع «بعض الناس يحمدون حتى يكونوا أقسى من الصخر وبعضهم يشتدون حتى يكونوا أحر من الجمر، وبعضهم يثقلون حتى يكونوا أمرّ من الصبر وبعضهم يميعون حتى يكونوا كماء البحر، وكل ذلك في الخلق الاجتماعي ذميم». وحصر بعض العلماء مكارم الأخلاق في ما يلي «صدق الحديث وصدق اللسان وأداء الأمانة وصلة الرحم والمكافأة بالصنيع وبذل المعروف وحفظ الذمام للصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم».
ما رأيكم يا من اخترتم عبادة المال والجاه في وصية يحيى بن خالد لابنه: «يا بني إذا حدثك جليسك بحديث فأقبل عليه واصغ إليه ولا تقاطعه بأن تقول إليه: هذا حديث قد سمعته ولو كنت أعلم الناس به وكن كأنك لم تسمعه من قبل فإن ذلك يكسبك المحبة والميل إليك». وفي وصية علي بن أبي طالب «لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»؛ وما هو تعليقكم على هذا الحوار من الحوارات البليغة، قال الرجل لهارون الرشيد «يا أمير المؤمنين إني رغبت أن أعظك بعظة فيها بعض الغلظة فاحتملها» قال هارون الرشيد «كلا، فإن الله أمر من هو خير منك أن يلين القول لمن هو شر مني، إذ قال تعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما أرسله إلى فرعون «فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى» (طه آية 44).
«دخل ابن سينا مرة على مسكويه والتلاميذ حوله فرمى إليه بجوزة وقال له: بيّن مساحة هذه الجوزة؟ فرفع مسكويه أوراقا في الأخلاق ورماها لابن سينا وقال له: أما أنت فأصلح أخلاقك أولا حتى أستخرج مساحة الجوزة»، وخير ما أفيدكم به قول الرسول عليه الصلاة والسلام «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» وأن مكارم الأخلاق: «العقل، والدين والعلم والحلم والصبر والشكر والصدق والجود والرفق واللين» ومن أخلاق العاقل «الحلم، والعلم، والرشد والعفاف والتعاون والحياء والرزانة والمداومة على الخير وكراهية الشر، وطاعة الناصح» فهل اهتديتم يا سكان العالم إلى الحق أم استفحل الضلال في قلوبكم؟
إذا كان القرآن يخبرنا «إن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم» (الأنعام آية 119) ونحن لم نهد أبناءنا وأحفادنا بعلم نافع حتى لا يضلهم الهوى، خصوصا وقد نبهنا القرآن وحذرنا لنحمي أبناءنا وأحفادنا من مخاطر الهوى والمغريات الشيطانية المزينة «أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم» (محمد آية 14) أنسيتم أم تناسيتم يا أهل الذكر قول الله تعالى «من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر» (النور آية 21) وقوله تعالى «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير» (الشورى آية 30)؟ يكفيني أن أذكركم بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة «صغاركم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة» لعلكم تهتدون.
No comments:
Post a Comment