Tuesday, March 10, 2009

Risalah Muhammadiyyah



من إصلاحات الرسالة المحمدية
حامد المهير
ي

يحتفل المسلمون بميلاد المصطفى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم، هذا الذي فقد أباه قبل ولادته، وفقد أمه وهو في الخامسة من عمره، فعاش يتيما في كفالة جده عبد المطلب حتى بلغ ثماني سنوات فبقي في كفالة عمه أبي طالب.كان مجتمعه يعيش في ضلال أصنام تعبد وأحجار تقدس، وخرافات وأباطيل، وانتهز الأقوياء فرص الجهالة والضلالة فاستغلوا على الشعوب واستبدوا بالعقول والقلوب وسخروا لشهواتهم ومنافعهم خيرات الأرض، وقوى البشر، وبقي أكثر الناس عبيدا للقلة، وإذا القلة طبقات يسخر بعضها بعضا وهؤلاء وأولئك غرقى في الضلالة، وأسرى للشهوات أعداء لكل فضيلة، حتى ضجّت الأرض مما تنوء به من شرّ وبغي وهمجية وعدوان.ومن لطف الله بعباده اصطفاؤه لصفوة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغ القرآن آخر الكتب السماوية للعالمين فكان ميلاد إمام المرسلين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة حسب الأرجح، عام انهزام جيش أبرهة القائد الحبشي وحادثة الفيل «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل» (الفيل آيتان 1-2) إلى آخر السورة.وكان هذا النبي صلى الله عليه وسلم قد كشف الله عن طريقه الحقيقة انطلاقا من الكلمة العليا «اقرأ» فانبعث تاريخ جديد وتحول فكري رفيع، سفه افتراءات وأكاذيب ألصقت بالرسل السابقين ونسبت إليهم، فلولا القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم لظلت هذه التهم لاصقة ومنسوبة إليهم حتى اليوم.وبفضل الإصلاح المحمدي أقيم صرح العدالة وهدّم حوض الظلم وأضيئت مصابيح النور في بداية الطريق، طريق الحق الذي لا عوج فيه ولا انحراف قضى على النفاق وزيغ القلوب. وبفضل عقيدة يستسيغها العقل وتألفها النفوس نابعة من فطرة الإنسان «فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون» (الروم آية 29).فلا تفريق بين سيد وعبد وغني وفقير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الناس كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعبادة ولا تصحبن أحدا لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له» ابن لال عن سهل بن سعد. هذا كلام ذاك المولود اليتيم الذي أفادنا بنعم الخالق، فالله «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا» (البقرة آية 28) ومن فضله تعالى قوله «وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون» (الأعراف آية 181) وبيانه الواضح عز وجل «يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» (الحجرات آية 13).فيا أيها المؤمنون إيمانكم يجعلكم تتأملون جيدا في قول رب العزة «أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون» (النحل آية 17) وفي قول أحكم الحاكمين عن القرآن «إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون» (يوسف آية 2)؛ فمن الخطإ الفاحش أن يقول بعض الناس على الله ما لا يعلمون.فالقرآن حذّرنا قائلا «أم تقولون على الله ما لا تعلمون» (البقرة آية 79) فالله عن طريق رسوله «يعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون» (البقرة آية 150) لهذا يقول لكم «فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون» (البقرة آية 151) لأن الحقيقة كما ذكر القرآن «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» (النحل آية 78).إن الرسالة المحمدية غيّرت ما كان لاصقا بالنفس من أنانية وكبرياء، وصار الشرف لا يرجع إلى لون أو جنس، أو حسب، أو مال، بل صار بالتقوى من طاعة الله، والدفاع عن الحق والوطن، والبر بالوالدين والثقة المتبادلة بين الناس وكل ما له صلة بمكارم الأخلاق والتقوى يبلغها الإنسان بالعلم النافع، والعمل الصالح؛ فالشريعة الإسلامية لاءمت بين المادة والروح وبين الدنيا والآخرة، لكل منهما جعلت نصيبا من الوجدان والعقل والعمل لا يتجاوز حدوده. وبفضل هذه الرسالة العظيمة صار المسلمون بين عشية وضحاها سادة العالم وخير أمة أخرجت للناس «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» (آل عمران آية 110) كيف لا يكون هذا ومحمد صلى الله عليه وسلم بنيت شخصيته على الرحمة لعباد الله وعلى الأمانة والمحبة والسلامة والمساواة العامة بين الناس وإنقاذ المجتمع من أوبائه؟؛ فطهره من شروره وفظائعه وفجوره ونفاقه بدعوته إلى خالقه ورازقه وإلى العمل بشريعة دينه الإسلام والسير على منهاجه لنيل سعادتي الدنيا والآخرة، حسب ما نص عليه التنزيل الحكيم.فلم يجئ محمد صلى الله عليه وسلم بحرب مدمرة، وقنابل ذرية متفجرة ليهلك الحرث والنسل ويبث في الأرض الفساد، وما جاء متغطرسا، مستعبدا ولا متكبرا مستبدا، إنما جاء سمحا متواضعا متقشفا يخضع لجلال الله ويخشع في طاعته ويبكي من خوفه ورهبته، جاء لينصر المظلوم، ويؤدب الظالم ويعالج الأمراض ويوجه التوجيه القويم ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالتخويف والترهيب ولا بالإغراء والترغيب ويوصي كل مسلم بقوله «صل من قطعك وأعط من سألك، وقل الحق ولو على نفسك، يملأ الناس أنسا بالله، ورغبة في ثوابه وحذرا من عقابه ليربي فيها وازع الدين في جو الطاعة لله والخشية منه».هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم وصفه علي بن أبي طالب «كنت أجود الناس كفا وأجرأهم قلبا، وأصدقهم حديثا، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة من رآك بديهة هابك، ومن خالطك أحبك».فأين نحن معشر مسلمي هذا العصر من هذا السلوك الرفيع؟ وما أحوجنا للتأمل بعمق في هذا العلم الفوقي الحق الذي يدر علينا بالعدل والسلام الروحي حتى نسمو إلى مرتبة الإنسان التقي الذي كرّمه الله. إن معجزة القرآن التي بلغها إلينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجت الناس الذين عقلوها وفهموها من الباطل إلى الحق، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الغي إلى الرشد، ومن الظلال إلى النور فكان من العسير استيفاء مضمونها كاملا. ولكن سنعيش فترة نقطف ما أكرمنا الله ببعض ثمارها التي ذقنا لذاذتها ونشرب من صفاء مائها حتى نرتوي بفضل الله وعونه.

No comments:

Post a Comment