عيد بهيج إثر صوم عزيز
حامد المهيري
مضى شهر صام فيه المسلمون عن شهوتي البطن والفرج نهارا، وصام بعضهم عن انحرافات اللسان ومعاملة الناس بغير الحسنى، وسيحلّ عيد الفطر، وهي من حكمة الله في شرعه الحكيم، وسيأتي بمشيئة الله عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج.
ومن طبيعة الأعياد أنها تأتي لتوسم بالفرح والسرور لأنها تهل في أعقاب فوز أو تكون خاتمة لمرحلة من مراحل التوفيق في أمر من أمور الدين أو أمور الدنيا، ولا حرج على المسلم إذ أخذ حظه من الفرح في مواطن البهجة، أو أبدى سروره في مقامات السرور. فالله عز وجل قد جعل السرور من خير الثوابت الذي يلقى به عباده يوم الجزاء «فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا» (الإنسان11) لكن يستحسن أن يكون المسلم معتدلا في فرحه وسروره ولا يبالغ فيه لأنه ينتمي إلى الأمة الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.
في يوم عيد الفطر يقف المسلم وقفة تأمل ومراجعة الذات، فيتساءل ماذا قدم طيلة شهر من عمل؟ إن كان خيرا حمد الله وشكره، وإن كان تقصيرا حصل في عمله تدارك، واستغفر، ثم دعا خالقه يسأله الرضى والقبول عما مضى ويرجو العون والتوفيق فيما سيأتي وسوف يظهر.
فالعيد يذكرنا– من خلال مدلوله ومعناه– بالعائدة وهي المعروف والإحسان، تقول العرب «عاد فلان بمعروفه، إذا أحسن ثم زاد» ومن صفات الله تبارك وتعالى أنه «المبدئ المعيد» أي الذي بدأ خلق الأشياء من غير سابق وجود لها ويعيد الكائنات بعد فنائها.
ولعل تذكير العيد لنا بالعائدة هو بعض الحكمة في تشريع الاسلام لزكاة البدن، حيث يعود المسلم القادر بهذا المقدار من الاحسان على إخوة له في الله لم تتيسر لهم أسباب السعة في الرزق.
ولهذا علينا أن نهيئ لغيرنا أن يشاركنا فرحتنا بالعيد ليرى خالقنا أننا أمة عاملة مكافحة تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان، لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، والاسلام أكد على تساوي أبنائه في مجال الحقوق والواجبات كل يبذل طاقته، وكل يأخذ حاجته وحقه، وأساس التقدير والتقديم فيها هو الاستقامة في مجال العمل وتجنب الزلل والخطإ «إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات13)، وكذلك ليرى ربنا أننا أمة يشارك أبناؤها في الخير والنعمة ويتنزهون عن الفتنة والفرقة، ويتمسكون بالحق، والجد ومكارم الأخلاق ومحامد الأفعال ومجامل الأقوال.
فمن واجب كل مسلم مخلص أن يعلم ما يعانيه بعض الناس من متاعب العيش وضيق اليد، وأن المطالب القاسية الضرورية عديدة حتى يكون الكرم والسماحة من خصال كل مواطن، فيساعد الفقير والمسكين، ويأخذ بيد المعوز البائس.
وهذا يدعوني إلى سرد قصة الفضل والنبل والإيثار في عهد الخلفاء الراشدين لكل مستمع يريد الخير لأمته ولأبنائه ووطنه وعقيدته، فهذا عمر بن الخطاب أخذ صرة فيها أربعمائة دينار وقال لغلامه «اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تلكأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها» فذهب الغلام وقال لأبي عبيدة «يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك» فقال أبو عبيدة «وصله الله ورحمه» ثم نادى «تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى نفدت».
وعاد الغلام، وأخبر عمر فأعطاه مثلها لمعاذ بن جبل، وأمره بمعرفة ما يصنع فيها، ففعل معاذ ما فعله أبو عبيدة لكن امرأته قالت «نحن والله مساكين فأعطنا» ولم يبق في الصرة إلا ديناران فأعطاهما لها، ولما عرف عمر ذلك سر سرورا كبيرا وقال «إنهم إخوة بعضهم من بعض».
لقد أنكر الاسلام النزاعات الانتهازية وقاوم السلبية، ونبذ الأثرة والأنانينة، والتهافت المسعور على امتصاص حقوق العاملين الضعفاء وبيّن أن الناس جميعا في حق العمل وحق الحياة سواء، يقول الله تعالى «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا» (البقرة29). وهذه الآية تؤكد أن جميع ما سخر الله في الكون لخدمة الانسان الذي يعمل بكل طاقته وجهده وملكاته في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يكون الخير والمال وقفا على طبقة معينة، فعن أبي سعيد الخدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له»؛ قال أبو سعيد «فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل».
ومن أجل ذلك يعرّف الاسلام أبناءه أن واجب الفرد منهم أن يعمل من أجل المجموع وألا يعيش لذاته وحدها، قال تعالى «آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير» (الحديد7).
لذلك كله بات من الواجب أن يمد الموسر يد المساعدة للمحتاج خاصة في المناسبات الدينية ليعم السرور كل المسلمين، ويحصل التقريب بين مختلف الأصناف عن طريق التفاهم والتراحم، وبأسلوب التكافل والتعاون، فالمسلمون أمة متعاونة على الخير لا يفرق بين أفرادها لون ولا جنس ولا وطن ولا مال، وما زكاة الفطر إلا مظهر من مظاهر التكافل والتعاون.
وقد جاء التوجيه الالهي يدفع المسلمين إلى هذا السلوك الانساني الرفيع، قال تعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» (التوبة71). فليكن عيد الفطر عيد وحدة الصف ووحدة العقيدة ووحدة السبيل السوي، صراط الله المستقيم.
حامد المهيري
مضى شهر صام فيه المسلمون عن شهوتي البطن والفرج نهارا، وصام بعضهم عن انحرافات اللسان ومعاملة الناس بغير الحسنى، وسيحلّ عيد الفطر، وهي من حكمة الله في شرعه الحكيم، وسيأتي بمشيئة الله عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج.
ومن طبيعة الأعياد أنها تأتي لتوسم بالفرح والسرور لأنها تهل في أعقاب فوز أو تكون خاتمة لمرحلة من مراحل التوفيق في أمر من أمور الدين أو أمور الدنيا، ولا حرج على المسلم إذ أخذ حظه من الفرح في مواطن البهجة، أو أبدى سروره في مقامات السرور. فالله عز وجل قد جعل السرور من خير الثوابت الذي يلقى به عباده يوم الجزاء «فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا» (الإنسان11) لكن يستحسن أن يكون المسلم معتدلا في فرحه وسروره ولا يبالغ فيه لأنه ينتمي إلى الأمة الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.
في يوم عيد الفطر يقف المسلم وقفة تأمل ومراجعة الذات، فيتساءل ماذا قدم طيلة شهر من عمل؟ إن كان خيرا حمد الله وشكره، وإن كان تقصيرا حصل في عمله تدارك، واستغفر، ثم دعا خالقه يسأله الرضى والقبول عما مضى ويرجو العون والتوفيق فيما سيأتي وسوف يظهر.
فالعيد يذكرنا– من خلال مدلوله ومعناه– بالعائدة وهي المعروف والإحسان، تقول العرب «عاد فلان بمعروفه، إذا أحسن ثم زاد» ومن صفات الله تبارك وتعالى أنه «المبدئ المعيد» أي الذي بدأ خلق الأشياء من غير سابق وجود لها ويعيد الكائنات بعد فنائها.
ولعل تذكير العيد لنا بالعائدة هو بعض الحكمة في تشريع الاسلام لزكاة البدن، حيث يعود المسلم القادر بهذا المقدار من الاحسان على إخوة له في الله لم تتيسر لهم أسباب السعة في الرزق.
ولهذا علينا أن نهيئ لغيرنا أن يشاركنا فرحتنا بالعيد ليرى خالقنا أننا أمة عاملة مكافحة تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان، لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، والاسلام أكد على تساوي أبنائه في مجال الحقوق والواجبات كل يبذل طاقته، وكل يأخذ حاجته وحقه، وأساس التقدير والتقديم فيها هو الاستقامة في مجال العمل وتجنب الزلل والخطإ «إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات13)، وكذلك ليرى ربنا أننا أمة يشارك أبناؤها في الخير والنعمة ويتنزهون عن الفتنة والفرقة، ويتمسكون بالحق، والجد ومكارم الأخلاق ومحامد الأفعال ومجامل الأقوال.
فمن واجب كل مسلم مخلص أن يعلم ما يعانيه بعض الناس من متاعب العيش وضيق اليد، وأن المطالب القاسية الضرورية عديدة حتى يكون الكرم والسماحة من خصال كل مواطن، فيساعد الفقير والمسكين، ويأخذ بيد المعوز البائس.
وهذا يدعوني إلى سرد قصة الفضل والنبل والإيثار في عهد الخلفاء الراشدين لكل مستمع يريد الخير لأمته ولأبنائه ووطنه وعقيدته، فهذا عمر بن الخطاب أخذ صرة فيها أربعمائة دينار وقال لغلامه «اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تلكأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها» فذهب الغلام وقال لأبي عبيدة «يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك» فقال أبو عبيدة «وصله الله ورحمه» ثم نادى «تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى نفدت».
وعاد الغلام، وأخبر عمر فأعطاه مثلها لمعاذ بن جبل، وأمره بمعرفة ما يصنع فيها، ففعل معاذ ما فعله أبو عبيدة لكن امرأته قالت «نحن والله مساكين فأعطنا» ولم يبق في الصرة إلا ديناران فأعطاهما لها، ولما عرف عمر ذلك سر سرورا كبيرا وقال «إنهم إخوة بعضهم من بعض».
لقد أنكر الاسلام النزاعات الانتهازية وقاوم السلبية، ونبذ الأثرة والأنانينة، والتهافت المسعور على امتصاص حقوق العاملين الضعفاء وبيّن أن الناس جميعا في حق العمل وحق الحياة سواء، يقول الله تعالى «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا» (البقرة29). وهذه الآية تؤكد أن جميع ما سخر الله في الكون لخدمة الانسان الذي يعمل بكل طاقته وجهده وملكاته في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يكون الخير والمال وقفا على طبقة معينة، فعن أبي سعيد الخدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له»؛ قال أبو سعيد «فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل».
ومن أجل ذلك يعرّف الاسلام أبناءه أن واجب الفرد منهم أن يعمل من أجل المجموع وألا يعيش لذاته وحدها، قال تعالى «آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير» (الحديد7).
لذلك كله بات من الواجب أن يمد الموسر يد المساعدة للمحتاج خاصة في المناسبات الدينية ليعم السرور كل المسلمين، ويحصل التقريب بين مختلف الأصناف عن طريق التفاهم والتراحم، وبأسلوب التكافل والتعاون، فالمسلمون أمة متعاونة على الخير لا يفرق بين أفرادها لون ولا جنس ولا وطن ولا مال، وما زكاة الفطر إلا مظهر من مظاهر التكافل والتعاون.
وقد جاء التوجيه الالهي يدفع المسلمين إلى هذا السلوك الانساني الرفيع، قال تعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» (التوبة71). فليكن عيد الفطر عيد وحدة الصف ووحدة العقيدة ووحدة السبيل السوي، صراط الله المستقيم.
No comments:
Post a Comment