Thursday, June 4, 2009

Sabratah



صبراته... لكل منحوتة حكاية
هي مدينة امتازت بجمالها الفاتن، إذ تمازجت فيها روعة المتوسط مع ‏الفسيفساء التي كست أرضها. كل صخرة فيها تحدث عن تاريخ نقش عليها، تمثال الإمبراطور ‏‏"سبتموز سفروز" الذي يتربع عند المدخل شاهد على حضارته التي قامت على ترابها. إرث ‏تاريخي يتمدد تحت أشعة الشمس الدافئة، وعند المغيب يسدل الستار على كل ذاك الجمال ‏لتظهر أطلالها شامخة تعانق عنان السماء، ولو تساءلنا عمّن تكون؟ فهي مدينة صبراته ‏الأثرية. ‏تبعد مدينة صبراته عن العاصمة طرابلس مسافة "67" كم تقريبا، وتعتبر من أهم المعالم ‏التاريخية الموجودة في ليبيا، حيث يعود إنشائها إلى بداية الألف الأولى قبل الميلاد، وصبراته ‏هي إحدى المدن الثلاث التي أطلق عليها اليونان قديما إسم "تريبولوس" أي إقليم "المدن الثلاث" ‏الذي يشمل أويا "طرابلس الحالية" ولبدة وصبراته، كما أطلق عليه أيضا إسم "ايمبوريا" أي ‏المراكز التجارية.‏تجدر الإشارة إلى أن هذه المدن كانت من أنشط الموانىء التجارية الليبية الفينقية "البونيقية"، ‏واستمر هذا الازدهار حتى انهيار الحكم القرطاجي وقيام الدولة النوميدية، حيث تمكن الرومان ‏من بسط نفوذهم رغم ما لقوه من مواجهة ومقاومة من قبل الليبيبن النوميديين.‏أسست الولاية الأفريقية التي شملت أراضي "لامبوريا" في سنة 46 ق.م، وجاء ذلك إثر ‏الحرب الأهلية الرومانية التي امتدت إلى الشمال الأفريقي وانتصار يوليوس قيصر على ‏خصمه بومبي في موقعة "تايسوس".‏أما أطلال المدينة الحالية نجد أن معظمها يرجع إلى القرنيين الأول والثاني من تأسس ‏الإمبروطورية الرومانية، إذ تم تجديد بناء المعابد البونيقية السابقة والمحيطة بساحة السوق، ‏وإلى ذات الفترة السابقة يعود أيضا حي المساكن على الطريق الرئيسية المؤدية إلى المتحف.كما يوجد طريق رئيسية ثانية تتقاطع مع الأولى مكونة معها زاوية قائمة على سور المدينة ‏البيزنطي، وبعد مدة من الزمن شيدت مساكن الحي التي تمتد بين المسرح والطريق الرئيسة ‏أي من الغرب إلى الشرق.‏واللافت للانتباه ذاك النسق التربيعي في تقسيمات الشوارع، والذي يتشابه كثيرا مع نظام ‏التخطيط الهيبودامي، وقد أوجد ذلك تطابقا في شكل وتخطيط ورسم المباني والشوارع مع ‏محور تصميم المسرح والمساكن، وبالأخص ما يعود إنشائها إلى القرن الثاني الميلادي، أي ‏خلال فترة حكم كل من انطونيوس بيوس وماركوس اوريليوس "138-180 م".‏تشير الدراسات إلى أن صبراته في تلك الفترة أي فترة الإمبرطور انطونيوس بيوس، كانت ‏في قمة ازدهارها، وقد آلت أيضا إلى أنها قد أصبحت مستوطنة رومانية وذلك بسريان نظام ‏الحقوق المدنية الرومانية على سكانها.‏ويرجع المؤرخون إلى أن النشاط الاقتصادي أهم هو أسباب الازدهار في صبراته، أي ‏التجارة وليس الأعمال الزراعية، حيث تعد الأراضي المحيطة بالمنطقة أقل خصوبة من لبدة. ‏وما يؤكد ذلك هو مقر وكلاء تجار صبراته الذي تم العثور عليه في مرفأ "اوستيا" القديم على ‏الساحل القريب من مدينة روما، حيث زينت قائمة المقر بفيفساء "صور الفيل" وبناء على ذلك ‏تم استنتاج أن تجارة صبراته قد اعتمدت في الأساس على تصدير العاج والمنتوجات الإفريقية ‏متخذة من منطقتي فزان وغدامس طريقا لذلك. واستمر ازدهار البلد طوال القرن الثالث ‏الميلادي وحتى عهد الأباطرة السويريين.‏وقع في منتصف القرن الرابع الميلادي زلزال مما أدى إلى تخلخل في الحياة العامة للمدينة، ‏بالإضافة إلى نشوب عدد من الغزوات التي أنتجت الكثير من السلب والنهب والتخريب من ‏قبل قبائل الاوستوريين.‏لأن دوام الحال من المحال فقد استهدفت المدينة في فترات لاحقة، خاصة عند مجيء الوندال‏ واجتياحهم لشمال أفريقيا.‏‏استهدفت صبراته تخريبا واحتلالا وكان ذلك في عام "455"م وقد حدث لها كما حدث لبقية ‏المدن الأفريقية الأخرى، وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن احتلها الجيش البيزنطي مرة ‏أخرى سنة "533"م، وفي عهد الإمبرطور جستنيان الذي استمر في الحكم حتى"565"م أعيد ‏تحصين القسم الأقدم من المدينة المجاورة للميناء وذلك بإنشاء وإقامة سور بأبراج، كما شيدت ‏فيها كنيسة غطيت أرضية بهوها بالفسيفساء، وقد نقلت تلك الأرضية إلى طرابلس عام 1931 ‏وهي محفوظة الأن بالمتحف الجماهيري.‏كما تم خلال نفس الفترة بناء مساكن جديدة بالإضافة إلى تعبيد الطرق التي تتخللها على ‏أنقاض المباني التي تم ذكرها.‏على المدى القريب أي في عام 1923م بدأت عملية التنقيب والحفر في المدينة، واستمر ذلك ‏حتى عام 1936م، وفي تلك المدة تم الكشف عن نصف مساحة المدينة القديمة تقريبا، بما ‏يشمل المباني العامة وبعض المساكن والطرق، ولعل من أهم ما تم العثور عليه هو مسرح ‏صبراته.‏استؤنفت عند الخمسينات أعمال الخفر والتنقيب، شاملة القسم الغربي من المدينة أي جنوب ‏السور البيزنطي، وتم الكشف عن حي سكني يرجع تأسيسه إلى الفترة الأولى من تأسيس ‏الإمبروطورية الرومانية.‏و اخيرا يمكن ان نقول إن بعض كل هذا الوصف والسرد التاريخي لمدينة صبراته انها تحفة ‏من زمن منصرم ستبقى في عقل كل من يزورها.‏

No comments:

Post a Comment