فى كل عصر يسعى أهله أن يضيفوا على من سبقهم فى العصور الماضية شيئا جديدا أو يحدثوا نمطا جديدا فى عصرهم، على أساس أن الحداثة قيمة من قيم الحياة والتحديث مطلوب فى مختلف مجالات الحياة؛ كما أن العقل البشرى يتطلع دوما إلى التجديد لممارسة حق مشروع، وأن المجتمع يتطلّع إليه لإفادته بما ينفعه وييسّر له نمط حياته.
فمبررات التجديد هى التطور المستمر فى طبيعة الحياة الاجتماعية مع قابلية النصوص التشريعية للفهم المتجدد، إذ كل جيل من حقه، إذا توفرت فيه القدرة على الفهم والتفسير والتأويل، أن يجدد الفهم بمنظار عصره ومن الضرورى أن يواكب الفكر الإسلامى حاجات الإنسان، ولا يجوز أن يكون معزولا عن قضايا الإنسان؛ فإن رضى لنفسه بالعزلة فقد حكم على نفسه بالجمود والتراجع، بينما يملك الفكر الإسلامى كل قابليات النماء.
وقد سبقنا بهذا المنهج أسلافنا فى عصر النهضة والتقدم بذكاء وشجاعة، وتصدوا لأداء دورهم فى إثراء الفكر الإسلامى عن طريق الاجتهاد الذى أقرّه الإسلام ودعا إليه؛ إلا أن هذا الاجتهاد الذى يقصد التجديد يخضع لضوابط ضرورية تعطى للتجديد شرعيته وتمنعه من أن يكون تجديد انحراف يقود إليه عقل غير متبصر وهوى نفس لم تبلغ رشدها وكمالها الأخلاقي.
ووسيلة التجديد فى الفكر التشريعى هو الاجتهاد الملتزم بالضوابط الشرعية، والذى لا يخل بالنصوص الثابتة خاصة، ويحترم قواعد التفسير المقررة كالالتزام بالمعنى اللغوى الذى أقرّه علماء اللغة مع مراعاة المصطلحات الشرعية التى أخرجها المشرّع من معناها اللغوى العام إلى معنى خاص دلّ عليه النص عن طريق أدلّة قطعية، وكذلك تحديد علاقة اللفظ بالمعنى المستفاد منه عن طريق مراعاة القواعد المقررة عند علماء الأصول. ولهذا يجب احترام القواعد الاجتهادية اعتبارا بأن الاجتهاد هو الجهد العقلى المجرّد من كل خلفية، والذى يبذله المجتهد فى استنباط حكم سليم من دليله وهو أداة التواصل بين النصوص الثابتة والمصالح المتجددة.
ولا نتناسى أو نتغافل عن أن للفكر الإسلامى خصائص ذاتية، وغايات إنسانية تميزه عن الفكر الإنساني، منها إلهية المصدر الذى يستمد منه المعلومة الصحيحة الثابتة، هذا المصدر- وهو القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم- من مميزاته أن يترك الفكر الإسلامى فى منأى عن المصالح الإنسانية للإنسان ويحافظ على الأخلاق الفاضلة فلا يضل ولا يضلّل، ولا ينحاز، ولا توجهه مصالح الأقوياء الضيقة والمحدودة ولا تعبث به عواطف أهل الأهواء.
فهذه الصفات يتأكد ثباتها واستمرارها لضمان التواصل والتكامل بين الأجيال المتلاحقة، فيكون بذلك الجيل اللاحق مؤتمنا على منجزات الأجيال التى سبقته مضيفا إليها رؤيته المتجددة لكى تكون صيغة هذا الفكر فى متناول الجيل اللاحق، ولن يتحقق هذا إلا إذا كانت الأهداف أخلاقية، والمقاصد إصلاحية.
فمنهج الإصلاح إذا لم يعتمد القيمة الأخلاقية فى إصلاح المجتمع وتنظيمه والارتقاء به إلى مستوى الفضيلة بواسطة أحكام شرعية ميسرة غير محرجة، وموصلة إلى العدل والحق والخير، فمن العسير تحقيق الإصلاح، ومن أولى الأولويات المتحتمة تطهير العقول من الأساطير فى مجال العقيدة، لأن الفكر أداة للهداية وأن الانسان لا يشعر بإنسانيته التى أكرمها الله بنور العقل إلا إذا استعمل عقله فى كل عمل يريد الإقدام عليه.
هذا العقل يشترط أن يكون مستنيرا ونيّرا، لا هو من أهل العقول الجامدة، ولا هو من أهل العقول الجاحدة، يكون براء من التشدّد ومن التسيب فى نفس الوقت، يتدبر قبل أن يأخذ القرار كما وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أردت أن تفعل أمرا فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فامضه، وإن كان شرا فانته" روى عن أبى جعفر عبد الله بن مسور الهاشمي؛ ولا يتسرع كما أفادنا خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام "إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يريك الله منه المخرج" رواه البيهقى وغيره.
فهل يقبل العقل النير إذا لم يتدبّر ويتريّث أن يقدم على شيء دون أن ينظر فى عاقبة ذلك ويهتدى إلى الأنفع والأصلح؟ لو اهتدى المدمن على التدخين وأقلع عن هذا الداء المسمم لما أصيب بداء السرطان القاتل مثلا، كذلك الذى يكثر من الإسراف والتبذير مما يحمل فكره أو جسمه ما لا طاقة له به يصاب بداء عضال، وغير هذا كثير.
ولهذا من الأصلح والأسلم أن يكون التحديث والتجديد بالتدبر والتؤدة حتى يأمن الإنسان من ضرر المخاطرة، والمجازفة، واللامبالاة، ففى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة، فالتجديد والتحديث إما يكون بالعقل النير أو لا يكون.
فمبررات التجديد هى التطور المستمر فى طبيعة الحياة الاجتماعية مع قابلية النصوص التشريعية للفهم المتجدد، إذ كل جيل من حقه، إذا توفرت فيه القدرة على الفهم والتفسير والتأويل، أن يجدد الفهم بمنظار عصره ومن الضرورى أن يواكب الفكر الإسلامى حاجات الإنسان، ولا يجوز أن يكون معزولا عن قضايا الإنسان؛ فإن رضى لنفسه بالعزلة فقد حكم على نفسه بالجمود والتراجع، بينما يملك الفكر الإسلامى كل قابليات النماء.
وقد سبقنا بهذا المنهج أسلافنا فى عصر النهضة والتقدم بذكاء وشجاعة، وتصدوا لأداء دورهم فى إثراء الفكر الإسلامى عن طريق الاجتهاد الذى أقرّه الإسلام ودعا إليه؛ إلا أن هذا الاجتهاد الذى يقصد التجديد يخضع لضوابط ضرورية تعطى للتجديد شرعيته وتمنعه من أن يكون تجديد انحراف يقود إليه عقل غير متبصر وهوى نفس لم تبلغ رشدها وكمالها الأخلاقي.
ووسيلة التجديد فى الفكر التشريعى هو الاجتهاد الملتزم بالضوابط الشرعية، والذى لا يخل بالنصوص الثابتة خاصة، ويحترم قواعد التفسير المقررة كالالتزام بالمعنى اللغوى الذى أقرّه علماء اللغة مع مراعاة المصطلحات الشرعية التى أخرجها المشرّع من معناها اللغوى العام إلى معنى خاص دلّ عليه النص عن طريق أدلّة قطعية، وكذلك تحديد علاقة اللفظ بالمعنى المستفاد منه عن طريق مراعاة القواعد المقررة عند علماء الأصول. ولهذا يجب احترام القواعد الاجتهادية اعتبارا بأن الاجتهاد هو الجهد العقلى المجرّد من كل خلفية، والذى يبذله المجتهد فى استنباط حكم سليم من دليله وهو أداة التواصل بين النصوص الثابتة والمصالح المتجددة.
ولا نتناسى أو نتغافل عن أن للفكر الإسلامى خصائص ذاتية، وغايات إنسانية تميزه عن الفكر الإنساني، منها إلهية المصدر الذى يستمد منه المعلومة الصحيحة الثابتة، هذا المصدر- وهو القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم- من مميزاته أن يترك الفكر الإسلامى فى منأى عن المصالح الإنسانية للإنسان ويحافظ على الأخلاق الفاضلة فلا يضل ولا يضلّل، ولا ينحاز، ولا توجهه مصالح الأقوياء الضيقة والمحدودة ولا تعبث به عواطف أهل الأهواء.
فهذه الصفات يتأكد ثباتها واستمرارها لضمان التواصل والتكامل بين الأجيال المتلاحقة، فيكون بذلك الجيل اللاحق مؤتمنا على منجزات الأجيال التى سبقته مضيفا إليها رؤيته المتجددة لكى تكون صيغة هذا الفكر فى متناول الجيل اللاحق، ولن يتحقق هذا إلا إذا كانت الأهداف أخلاقية، والمقاصد إصلاحية.
فمنهج الإصلاح إذا لم يعتمد القيمة الأخلاقية فى إصلاح المجتمع وتنظيمه والارتقاء به إلى مستوى الفضيلة بواسطة أحكام شرعية ميسرة غير محرجة، وموصلة إلى العدل والحق والخير، فمن العسير تحقيق الإصلاح، ومن أولى الأولويات المتحتمة تطهير العقول من الأساطير فى مجال العقيدة، لأن الفكر أداة للهداية وأن الانسان لا يشعر بإنسانيته التى أكرمها الله بنور العقل إلا إذا استعمل عقله فى كل عمل يريد الإقدام عليه.
هذا العقل يشترط أن يكون مستنيرا ونيّرا، لا هو من أهل العقول الجامدة، ولا هو من أهل العقول الجاحدة، يكون براء من التشدّد ومن التسيب فى نفس الوقت، يتدبر قبل أن يأخذ القرار كما وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أردت أن تفعل أمرا فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فامضه، وإن كان شرا فانته" روى عن أبى جعفر عبد الله بن مسور الهاشمي؛ ولا يتسرع كما أفادنا خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام "إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يريك الله منه المخرج" رواه البيهقى وغيره.
فهل يقبل العقل النير إذا لم يتدبّر ويتريّث أن يقدم على شيء دون أن ينظر فى عاقبة ذلك ويهتدى إلى الأنفع والأصلح؟ لو اهتدى المدمن على التدخين وأقلع عن هذا الداء المسمم لما أصيب بداء السرطان القاتل مثلا، كذلك الذى يكثر من الإسراف والتبذير مما يحمل فكره أو جسمه ما لا طاقة له به يصاب بداء عضال، وغير هذا كثير.
ولهذا من الأصلح والأسلم أن يكون التحديث والتجديد بالتدبر والتؤدة حتى يأمن الإنسان من ضرر المخاطرة، والمجازفة، واللامبالاة، ففى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة، فالتجديد والتحديث إما يكون بالعقل النير أو لا يكون.
No comments:
Post a Comment