Monday, October 6, 2008

BERSEDERHANA

الحمد لله الذي خلقنا وكرّمنا، وأنعم علينا، فهدانا إلى صراطه المستقيم، ورضى لنا الإسلام دينا، فكان دين الاعتدال والتوسط في كل شيء لا يرضى بالإفراط والمبالغة عند الإقبال على الشيء، ولا يقبل التفريط والترك والرفض لما في الوجود، فالإسلام يربي متبعيه على هذا الاعتدال في مطالب الحياة، لا غلو ولا تطرف، ولا تسيب ولا تحلل، فهو يحارب الإسراف والتبذير والشح والتقتير ويحرّض على كسب المال في حدود ما أحلّ الله في كتابه وعلى حسن التصرف فيه لتقضى به الحقوق وتؤدى الواجبات وتصان الحرمات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم المال الصالح للرجل الصالح».فالاسلام دين القسط والاعتدال ونهى عن الإسراف والتبذير كما نهى عن الشح والتقتير قال الله تعالى «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين» (الأعراف آية 31). والإسراف هو إنفاق المال وتبذيره في غير موضعه أو يضاع ويتلف في غير محله. والاسلام يدعو إلى الاقتصاد في الإنفاق من غير بخل ولا إسراف فقد قال الله تعالى «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما» (الفرقان آية 67).كلنا يدرك أن المجتمعات استبدلت عاداتها القديمة بعادات جديدة فطبعت عصرنا الحاضر، وأثرت على الفكر والعلم والسلوك، فبرزت ظاهرة الاستهلاك والتهافت على المتعة العاجلة، والتأنق والإنفاق، والولع بالتجديد، إنها ظاهرة واضحة في المآكل والمشارب والملابس والمساكن، وفي وسائل النقل والأثاث والمتاع، أينما حوّل الملاحظ نظره وجد البشر أخذوا قسرا ووضعوا في تير جارف، هو تيار الاستهلاك.فوسائل التأثير المتنوعة خدّرت الوعي بدعاياتها القوية المؤثرة، وعوض أن تعد المنشآت الصناعية إنتاجا جيدا متقنا يعمر بمتانة صنعه تعد صنعا جميل المنظر يستهوي رغم أنه أقل صلابة، فكم من منجزات جديدة تغري بجمالها وتناسقها وتحرك المشترين فيتهافتون عليها لكنها لا تعمر طويلا ،هذه الظاهرة الجديدة تهدف إلى الربط بين الازدهار الاقتصادي، وتوفر سوق الشغل، وبين كثرة الاستهلاك لإنجاح هذه المعادلة أُلزم العالم بالسير الحثيث في منهج الاستهلاك المكثف وذلك بتوفير إمكانات مفتوحة وقريبة تيسر للمسهتلكين الشراء، وتنوعت هذه الإمكانات إلى أنواع تختلف في مظهرها، ولكنها تؤدي نفس الغرض، فمنها تمكين المشتري من أخذ ما يعرض بنفسه بدون واسطة ولا انتظار وتجميع أكثر ما يمكن من مواد الاستهلاك في مكان واحد، والتقسيط في الدفع وتركيز مصارف وبنوك لتيسير أمر الشراء باستعمال الصكوك البنكية، بدل الأوراق المالية.هذه المعطيات كلها تشجع على الاستهلاك فعلى المسلم أن يتساءل هل يقر الإسلام هذا النمط من الحياة أو يعارضه ويناقضه؟ مما لا شك فيه أن مجتمع الاستهلاك ساعد على دفع عجلة الإنتاج وتوفير سوق الشغل فعلا، فقد أصبح العالم الرأسمالي يجلب الأيدي العاملة من كل مكان وصوروا للبشرية أنها ظفرت بمفتاح السعادة ولكن كثرة السلع تسببت في كساد سوق الشغل بتراكمها وصار الإنسان في عصرنا الحاضر يعيش في حيرة لأن الحاجات المادية توسعت وكلما زاد هذا الإنسان في الإقبال عليها زاد عجزه على اللحاق بها وفاته القطار، وهو يجري لاهثا وراء مستحدثاتها، فلا هو ركبها ولا هو توقف عن الجري وأراح نفسه.فقد ذهبت القناعة واضمحل الاعتدال، وتملك الناس شعور غامض من عدم الرضا عن الواقع، وعدم الاطمئنان إليه، وقد تزعزعت الثقة للفوارق بين البشر التي تزداد كل يوم فتعقدت الحياة وتولدت صور جديدة من الانحراف، ومن الاستهانة بالأمانة والإقدام على التداين، ودفع الأجير إلى السير مع عجلة الحياة العامة وطالب بالمزيد من الأجر وبذلك صار العالم في دوامة مرعبة وصلت به إلى التضخم المالي وتهاوت القيم الرفيعة التي كانت تمسك المجتمعات قوية صامدة ولم يعد للانسان الوقت الذي يخلو فيه لنفسه، وفقد توازنه.ولإصلاح هذا يتأكد إعادة التوازن الذي فقده الإنسان، توازنه الروحي والفكري والجسدي، ولن يجد ذلك إلا في الإسلام، عقيدة وفلسفة وسلوكا، فالمسلم الصادق لا يحرم النعمة واللذة، ولا ينفق المال بإسراف وتبذير لأن التبذير حليف الشهوة فإذا قادت الفرد شهواته كان مسرفا مبذرا، لأن الشهوة لا تقف عند حد ولا يشبعها ما يقدم لها، بل كلما زدت في إرضائها زادت انطلاقا، وشراهة ونهما، فيشقى الانسان ويزداد عذابة، بمقدار ما يظن أنه يوفر سعادته، ويتضرر جسمه من الإسراف فتسوء صحته.والإسلام أفادنا أن المبذرين إخوان للشياطين، قال الله تعالى «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا» (الاسراء آية 27) فالشيطان يدخل من مداخل الهوى، والهوى لا يتحقق إلا بالإنفاق الواسع والتبذير في سبيل مطالب النفس. ومراتع اللذة لا تستباح إلا بالمال، ولا يدخلها الغاوي إلا بالتبذير والإسراف. لذلك توعد القرآن المبذرين بأن الله يحرمهم هدايته «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب» (غافر آية 28) وكتب عليه الضلالة «كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب» (غافر آية 34) وتوعدهم بأن مصيرهم إلى النار «وأن المسرفين هم أصحاب النار» (غافر آية 43).والاسرف والتبذير يكونان في إقامة المآدب، وفي استهلاك الماء والطاقة، أو غيرها من مطالب الحياة، ولا نتناسى أن الله يمنح المال للبارّ والفاجر، والخيّر والشرير، ولمن كتبت له السعادة ولمن كتب له الشقاء، قصد الاختبار للتمييز بين الطيب والخبيث لهذا يدعونا الإسلام إلى اكتساب المال في غير شره ولا نهم، لأنه خير من الله ورزق من عنده يبسطه لمن يشاء من عباده؛ فليكن شعار المسلم لا إسراف ولا تبذير ولا شح ولا تقتير، فكل من المسرف والمبذر خاسر، أما المؤمن الكامل فهو الذي يلتزم بالوسط والاعتدال ويعطي كل ذي حق حقه.

No comments:

Post a Comment