Wednesday, October 8, 2008

SOMBONG

الكبر بطر الحق وغمط الناس
\"الغرور هو آخر مخبإ يلجأ إليه الرجل الفاشل\" و\"من غرّه السراب، تقطعت به الأسباب\"، لقد قيل \"ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه\" واحذر أيها الإنسان \"لا يغرنك من يتواضع بلسانه، وبانحناء ظهره، وانخفاض رأسه، فقد يكون من أشد الناس كبرا وغرورا\" فقد نهاك القرآن \"ولا تصعّر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحا، إن الله لا يحب كل مختال فخور\" (لقمان آية 17).قال الشيخ حسن المرصفي \"التخلق بالكبر والعجب والتعاظم على الناس بما أفضل الله به الإنسان، من علم وجاه ومال أمر غير حسن، لما يتسبب فيه من عداوة وتنافر وبغضاء\". هل أتاكم حديث النفوس المصابة بالعلل الفتاكة حتى تظلم جوانبها، وتفقد شفافيتها، وتيبس بعد لين وتتحجر بعد رواء؟ أمراضها خفية كخفاء النفوس منها ما يتولد عن الشعور بالكمال، شعور الفرد بأنه أكمل من غيره وأعلى درجة منه، وهذا تناقض وكذب خيال، لأن الإنسان مهما ارتقى أو بلغ من مراتب هو ناقص عن الكمال في المرتبة التي وصل إليها، فمبدؤه نقص ونهايته إلى نقص.وينبه القرآن الإنسان إلى هذه الحقيقة فيقول الله تعالى \"إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير\" (الحجرات آية 13) فالله هو الخبير بحقائق الأشياء لأنها من خلقه وصنعه ومن هنا كانت صفة الكمال، يختص بها الخالق وحده، وقد قال عليه الصلاة والسلام \"قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته\".فلماذا لم يسع الانسان لمعرفة حقيقة نفسه بنفسه، ويقع في ضلال لا حد له؟ يجيب علماء النفس بأنه مرض خطير يصيب الفرد كما يصيب الجماعة، من علاماته التعاظم واحتقار الإنسان لمن هو دونه أو من غير جنسيته، ومكان ولادته، وهو مرض قديم، سجلت ملامحه منذ رفض إبليس أوامر ربه عندما أمره بالسجود مع بقية الملائكة لآدم معللا ذلك أن آدم الإنسان من غير جنس الملائكة، وأنه دون إبليس منزلة وكرم أصل، فقال لله في كبرياء \"أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين\" (الأعراف آية 12)، لكن الله جل شأنه اعتبر هذا التصرف معصية تستوجب العقاب فعاقبه بالطرد من نعيم جنته، فما بالك بالإنسان الذي ينسيه غروره وكبرياؤه حقيقة خلقته، وحقيقة دوره وسلوكه في هذه الحياة.في الحقيقة إن الإصابة بداء الكبر مرجعها الأسباب التالية:أولا: النفوذ فقد نجد من يطغى بنفوذه ويتكبر لى من هو دونه في جميع مستويات الوظائف، أو المهن المختلفة، وينسى المصاب بهذا الداء أن مسؤوليته محدودة في الزمن وأنه كما قال الشاعر:الناس للناس من بدو ومن حضر بعض لبعض وإن لم يشعروا خدموأن الكبر والطغيان ليفتّتان وحدة الأمة، فيضعفانها، ويعقدان على المسؤول عمله فتنقطع صلاته بمن يعمل معه ويجلب لنفسه البغض والكراهية ويتسبب في تعطيل سير المؤسسة سيرا طبيعيا نافعا وناجحا.ثانيا: المال عندما يتوفر لدى بغض الناس يبطرهم الغنى ويتكبرون بمالهم فيطغون وينسون ما حصده قارون من كبريئه إذ خسف الله به وبداره الأرض وأصبح عبرة لمن يعتبر ويتناسون يوم يعودون إلى قبورهم وليس لهم ما المال إلا الكفن وقد يشح الوارثون عليهم به.ثالثا: الجمال وقد يغري صاحبه فيتناسى أن نعمة الجمال يمكن أن يسلبها مبدعها في كل حين فينقلب الجمال إلى قبح أو يذبل.رابعا: العلم، فقد يتكبر العالم وتلك الطامة الكبرى لأن العلم إذا لم يشعّ على العالم تواضعا يجعل غيره يستفيد منه فلا خير في علمه، قال تعالى لنبيه \"واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين\" (الشعرء آية 21) وليعلم أن الذي من الله عليه فوجد من ينفق عليه حتى يتعلم ووجد أن الله قد فتح قلبه ورزقه قوة القبول لما يلقى إليه والقدرة على الاستفادة من تجاربه وبحثه ليعلم أن الذي منّ بالعطاء قادر على السلب وكل عالم ينسى معارفه عند النوم.خامسا: الذكاء، فالذي يصرف قوة عقله فيما لا ينفع الناس، ويشعل نار الفتنة ويتحيل على المجموعة الوطنية ويضرها ويتناسى أن الله قادر على سلب نعمته متى شاء من عبده، فهذا أيضا لا خير في ذكائه.إن المجتمع في حاجة ملحة إلى تواضع كل من أنعم الله عليه بالنفوذ أو المال أو الجمال أو العلم أو الذكاء حتى يكون مجتمعا يسوده الصفاء والإخاء والعدل كما أكد خاتم المرسلين \"إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد\"، فالناس سواسية كأسنان المشط ذكورا وإناثا عند الله وهذا هو أصل الإسلام، ومقصد الشريعة.قال أبو حيان التوحيدي \"ما تعاظم أحد على من دونه إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه\" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \"إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس\" لذا: \"كبر بلا نسب، تيه بلا حسب، فخر بلا أدب، إن هذا من العجب\". من فرائد الأدب \"بالأرض ولدتك أمك\" يضرب هذا المثل عند الزجر عن الخيلاء والبغي، وعند الحث على الاقتصاد
.

No comments:

Post a Comment