من أروع الوصايا السليمة
وصايا رب العالمين لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلّغها للبشرية قوله «أوصاني ربي بتسع، وأنا أوصيكم بها: بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن أعفو عمّن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا، ونطقي ذكرا، ونظري عبرا». وللوصية دلالات منها الفرض، والعهد والوعظ، وتتنوّع إلى أنواع إنما مقصدي تذكير بمقاصد هذه القيم الأخلاقية الرفيعة لعل الله يهدي بها من ضلّ وغفل ليتطهّر من الضلال والغفلة.لقد أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل بقوله «اخلص لدينك يكفيك القليل من العمل» وقال أبو عثمان النيسابوري «الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق» ولهذا قال الله تعالى «ألا لله الدين الخالص» (الزمر آية 3)، وأفادنا عليه الصلاة والسلام أن «عدل ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة» قال تعالى «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى» (النحل آية 90) وقد قيل (العدالة منبع كل حق)، ومن أمثال العرب «لو أنصف الناس استراح القاضي»، وكما قال أديب اسحق «العدل لا يكون للحقيقة ضدا» ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر بن الخطاب «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى..».ولهذا «يحكم على الفعل بنية الفاعل» لكن «لا عبرة بالنية إلا إذا تلاها الفعل» أي لا عبرة بل لا قيمة للنية ما لم تتبعها آثارها؛ وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» (الشورى آية 40) وقال عز وجل «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت آية 34)، وقد قيل «أولى الناس بالعفو، أقدرهم على العقوبة»، وقال آخر «أحسن المكارم عفو المقتدر»؛ لهذا «العفو أنبل ثأر» وقد قال عليه الصلاة والسلام «إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو شكرا للقدرة عليه».وتتأكد صلة الرحم بقوله تعالى «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» (الأنفال آية 75) ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام «صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمّن ظلمك» ومن حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه «بكثرة الصمت تكون الهيبة وبالتواضع تتم النعمة» مضيفا «إذا تم العقل نقص الكلام» وقد قيل «صمت تسلم به، خير من نطق تندم عليه»، «الصمت يكسب أهله المحبة» وفي الحديث النبوي «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» لكن في المثل العامي «السكوت علامة الرضا» و«جون مورلي» يقول: «إن صمت المرء لا يعني اقتناعه بما يجري أو يقال»، و«موليير» يقول «لا يختلف أحمق لا ينبس ببنت شفة عن عالم صامت».ومن فضائل الذكر بمعنى القرآن «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر آية 9)، وبمعنى العلم «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (الأنبياء آية 7)، وبمعنى صلاة الجمعة «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله» (الجمعة آية 9)؛ أيحق لي أن أذكّر بعد هذا بقول الله تعالى للذين «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار» (الحشر آية 2) «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب» (يوسف آية 111) وقد كانت قصة فرعون عبرة كما ذكر القرآن الكريم «إن في ذلك لعبرة لمن يخشى» (النازعات آية 26).إنني لا أبكي على الدين إذا وليه أهله ولكن أبكي عليه إذا نزع من أهله ولبس ثوبه غير أهله من المضللين المنافقين تبعا لما أفادنا به خاتم المرسلين «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» رواه أحمد والحاكم عن أبي أيوب. ذكرت هذا لأحذّر المسلمين من القنوات التي لا تعطي الغذاء السليم للعقل وللجسم حتى يكون العقل سليما والجسم سليما تبعا للقاعدة الصحيحة «العقل السليم في الجسم السليم» وتلك هي نعمة الله العظمى على الانسان مع التذكير «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها» (النحل آية 18).ولهذا أذكركم يا معشر المسلمين «واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون» (النحل آية 114) الذي وعدكم بقوله تعالى «لئن شكرتم لأزيدنكم» (إبراهيم آية 7) واحذروا نكران جميل الله عليكم «إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون» (يونس آية 60) وراجعوا القرآن فستجدون الأنبياء والرسل كانوا من عباد الله الشاكرين وإذا ما فزتم بفائدة من المؤمنين تنفعكم دنيا وآخرة فلا تتخلفوا عن شكرهم، فقد روي عن الأشعث بن قيس «إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس» أي للذين ينيرون أمامكم صراط الله المستقيم، أما الذين يشعلون نار الفتنة فاحذروهم ولا تتأثروا بلغو كلامهم الذي لا تقبله العقول النيرة المؤمنة بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام وكونوا كالذين «إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه» (القصص آية 55) حتى تفلحوا «قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون» (المؤمنون آيات 1-3).ولن يتحقق الصفاء والصواب والاستقامة إلا «بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن أعفو عمّن ظلمني، وأعطي من حرمني وأصل من قطعني وأن يكون صمتي فكرا، ونطقي ذكرا، ونظري عبرا» فالشكر لله على نعمه والشكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أثار السبيل أمامنا في هذا العالم الدنيوي المتقلب والشديد الغموض، وقد قيل «العبارات الغامضة تفسر لغير مصلحة القائل» و«العقد الغامض يفسر ضد البائع» و«يمكن الغش في التعابير العامة» فاحذروا الغموض يا معشر المسلمين واسألوا أهل الذكر النيرين الذين يخشون الله.
No comments:
Post a Comment