نكران الجميل أشد وقعا من سيف القادر
حامد المهيريفي المثل العامي المتدوال لدى معظم الشعوب \"كل شيء تزرعه ينفعك، إلا ابن آدم يقلعك\" و\"من ودّك طمعا فيك، أبغضك إذا أنس منك\" ولهذا صحّ القول \"ناكر الجميل والثعبان إخوان\" وفي هذا المجال السلوكي قال ابن المعتزّ:لي صاحب إن غبت يأكلـني وإن رآني في الندى سجـد كم قد هممت بأن أعاقـبه فـما وجـد العقاب أحــدويقول ( شكسبير) \"نكران الجميل أشد وقعا من سيف القادر\".كم من الذين قدموا الجميل لغيرهم، ولمجتمعاتهم، فتنكروا لهم، وهم يعلمون بالمثل الاسكتلندي \"الاعتراف بالجميل يحفظ الصداقة القديمة، ويخلق صداقات جديدة\" ويعرفون المثل العربي المأخوذ من قصيدة عنتر \"الكفر مخبثة لنفس المنعم\" لقد قال عنتر بن شداد لما بلغه أن بعض من أحسن إليهم لا يشكر الإحسان وأنه جزأه على معروفة بالكفران فقال في قصيدة:نبئت عمرا غير شاكر نعمتي والكفر مخبثة لنفس المنعمأي أن كفر النعمة وعدم الاعتراف بها وحفظها، يغير نفس المنعم ويفسدها على المنعم عليه. قيل لأحد الخبراء ومن أهل الكفاءة لماذا غبت عنا بخبرتك ومرانك، ففي المثل اللاتيني \"بالخير ثق\" وفي المثل الإنجليزي\" المران هو مفتاح الكمال، فأجاب: أنا لم أغب وإنما غيّبوني؟ فقيل له من غيّبك والغريب أنه محتاج لخبرتك، وكفاءتك العلمية، فأجاب: قالت الخبرة، والكفاءة، ومعهما المران \"إذا أسندت المناصب بغير محلها، ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، فقل لي بربّك كيف نتقدم وهذا حالنا؟\".وأنا أضيف قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم \"لا تمنعوا العلم أهله فتظلموا، ولا تضعوه في غير أهله فتأثموا\" وقد قال \"كلانس داي\" \"المعرفة ثوب واه لا يصلح بغير الخبرة\". فقيل له قال الله تعالى \"ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب\" ( البقرة آية 211) فأجاب بقول الله تعالى \"أفبنعمة الله يجحدون\" ( النحل آية 71) وأضاف إن الذي يوجه نعمة الله في غير وجهها الحقيقي الذي ظهرت من أجله هو منحرف، وفي انحرافه جحود بنعمة الله.فالخبرة والكفاءة والمران هي نعمة من نعم الله فلمَ تتخلى عنها وتهملها وتتناساها، وأنت في حاجة ملحة إليها لإرشادك بصراحة، وأهل الذكر يدركون أنه إذا انصرح الحق فقد بان، وفي المثل \"صرّح الحق عن محضه\" أي انكشف فكل خالص صريح والصريح هو الخالص من كل شيء، وصريح النصح محضه لكن الإشكالية تتجلى في مقولة عبد الله بن المقفع \"من خفي عليه عيبه، خفيت عليه محاسن غيره، فلن يقلع عن عيبه الذي لا يعرفه، ولن ينال محاسن غيره\" وخير مخرج مفيد لمسايرة الناس \"المداراة نصف المعيشة\" إذا \"من حسنت مداراته كان في ذمة السلامة\" وقد قال أبو سليمان الخطابي:ما دمت حيّا فدار الناس كلـهم فإنما أنت في دار المـدارات دنياك ثغر فكن منها على خطـر فالثغر مثوى مخا فات، وآفاتقال بعض الحكماء \"ما أجمله من علاج للأعصاب المرهقة المشتتة كلمة حب وحنان من إنسان لا يربطه بك شيء\" وقد قيل \"الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم، لا يحق له أن يفتح متجرا\" وفي المثل الإنجليزي \"جار الناس يطرونك\" وقيل أيضا \"المجاملة تجلب الأصدقاء، والحقيقة المجردة تجلب العداوة\" ثم ختم قائلا من الأمثال الإنجليزية \"التأخر خير من التغيب، فوات الأوان ولا الحرمان\" لكن هذا في حالة العلم بالمعلومة، أما الجهل بها فهو العيب وقد قال عبد الله بن المقفع \"من خفي عليه عيبه، خفيت عليه محاسن غيره\" قال بعض الأدباء \"من عرف معابه فلا يلم من عابه\" وفي المثل الإنجليزي \"واحد يرتكب الخطأ وآخر يلام عليه\" هذه هي قصتي تلومونني عن الغياب واللوم يجب أن يوجه لمرتكب الخطإ ناكر الجميل؛ وقد قال أحد الشعراء:نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سواناوقال الأحنف بن قيس: ربّ ملوم لا ذنب له.وأخيرا لقد اضطررت أن أصارح ففي المثل العربي \"مكره أخاك لا بطل\" يضرب لمن اضطرّ لفعل أمر لا يريده. والضرورة تجعل المحظور مباحا فكل ضروري مشروع، إذا أنا أدعو إلى احترام مكارم الأخلاق التالية: صدق الحديث، وصدق اللسان وأداء الأمانة وصلة الرحم، والمكافأة بالصنيع، وبذل المعروف، وحفظ الذمام للصاحب وقرى الضيف، ورأسهن الحياء.وقد قال خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام \"إنكم لن لا تسَعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم\" وقد قيل \"ما لا ترضاه لنفسك، لا تصنعه لغيرك، فإن في ذلك العدل، وفي العدل رضا الله تعالى، ورضا الناس\" فلا تغرنكم الحياة الدنيا يا ناكري الجميل فالله تعالى سيجازي الصالحين على ما قدموا لخير الناس والبشرية خير جزاء ولن ينساهم ولن يتناساهم وقد أمركم الله يا أبناء آدم باحترام من يبلغ سنّ الكبر، خصوصا من بلغ علما واسعا وخبرة وكفاءة، لينفعوكم \"فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما\" (الإسراء آية 23) ولئن كان هذا في خصوص الوالدين والإحسان إليهم فإنه يشمل أيضا كل من بلغ سن الكبر.
No comments:
Post a Comment