القرآن كتاب الإنسانية يشرح بعضه بعضا
حامد المهيري
قال الله تعالى «وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين» (الشعراء 192– 196)، وقوله «وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث» (الإسراء 106) وقوله «نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان» (آل عمران 3- 4).
أشار الدكتور محمد عابد الجابري إلى قصورنا عن معرفة عدد الرسل؛ فالقرآن الذي هو مرجعنا يخاطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم « ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك» (غافر 78) ولاحظ وجود علاقة الظاهرة القرآنية بالزمن (البداية الزمنية والبداية اللازمنية) في الآيات القرآنية السابقة الذكر وتحديد ماهية الظاهرة قائلا (فالأمر يتعلق بـ«تنزيل رب العالمين» أي بنص إلهي، «نزل به الروح الأمين» أي الملاك جبريل- من عند الله- «على قلبك» يا محمد «لتكون من المنذرين» أي رسولا تبلغ رسالتك «بلسان عربي مبين»).
ثم يستنتج أن القرآن «وحي من الله، حمله جبريل، إلى محمد، بلغة العرب، وهو من جنس الوحي الذي في كتب الرسل الأولين، إن هذا يعني أنه من جهة ليس جديدا كل الجدة، بل هو استمرار للخطاب الإلهي إلى البشر، يقول تعالى «والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه» (فاطر 31) أي التوراة والإنجيل، كما يعني من جهة أخرى أنه تجربة روحية تتلخص في تلقي الوحي «نزل به الروح الأمين على قلبك»، وأنه من جهة ثالثة رسالة تجعل حاملها «من المنذرين» المبينين للناس ما هو حق وما هو باطل، وتجعله بالتالي في مواجهة معهم. وهكذا تنضاف إلى التجربة الروحية (تجربة تلقي الوحي) تجربة أخرى اجتماعية إرشادية دعوية.
هناك إذن ثلاثة أبعاد في الظاهرة القرآنية: بعد لا زمني يتمثل في علاقتها بالرسالات السماوية، وبعد روحي يتمثل في معاناة النبي لتجربة تلقي الوحي، ثم بعد اجتماعي دعوي يتمثل في قيام النبي بتبليغ الرسالة وما ترتب على ذلك من ردود الفعل».
هذه المقاصد طال الجدل حولها قديما وحديثا، ومما زاد في سعة هذا الجدل عدم الكشف التام عن غطاء المصطلحات، فقد اتسع الحديث عن الظاهرة الطبيعية، والظاهرة الاجتماعية، والظاهرة الثقافية، إلى غير ذلك، والمشكلة الأساسية أن المصادر الإسلامية مادتها الأساسية هي الروايات، وهذه الروايات يبلغ خلافها أحيانا إلى حد التناقض، مما يثير الحيرة.
والواقع يفرض أن يقع النظر لهذه الرؤى المتعددة لشيء واحد، واختلاف الآراء لا يطعن في الحقيقة بل هو دليل على وجوب البحث بدقة عن الحقيقة، ونضع أمام بصائرنا أن الإنسان بطبعه مصاب بالنسيان، فالبشر غير معصومين. ومن هنا وجب نقد الفكر البشري، نقدا علميا، مجردا عن كل خلفيات، والايمان بأن الانسان عاجز عن استيفاء كل المعارف؛ وعلى هذا الأساس يجب أن نقتنع أن القرآن وحي إلهي وفهمه هو فكر بشري.
وفي نظري ويقيني أن كل من يريد دراسة القرآن يجب أن يكون عارفا بلغة العرب، معرفة أهلها بها، وهو الرأي الذي ارتآه الجابري حيث قال: «أن يحصر فهمه له ضمن «معهود العرب» أي ما يشكل قوام حياتهم الروحية والفكرية والاجتماعية إلخ، حجتهم في ذلك أن القرآن جاء يخاطب العرب ليفهموه، وأنه لا بد– تبعا لذلك– أن يكون خطابه بلغتهم في إطار معهودهم الاجتماعي والثقافي حتى يمكنهم أن يفهموه».
لا سبيل لدى فطاحلة اللغة وذوي الثقافة الواسعة أن يفهم القرآن قارؤه وحافظه فهما جيدا إلا إذا كان حاذقا معمقا ومثقفا ثقافة شاملة علمية معاصرة حتى يصبح المقروء معاصرا لنفسه ومعاصرا لقارئه في نفس الوقت. وأنا مع الذين يقولون أن «القرآن يشرح بعضه بعضا» إن اعتمدت في ذلك الشروط التي اتفق عليها أهل العلم والتفسير وضبط كبار العلماء والمفسرين أصولها.
إن الباحث في لفظ «الدين» يجد أن الأصل في الديانات السماوية الثلاث يتمركز حول وحدة الأصل، والدعوة المحمدية وعلاقاتها الخارجية، وشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والوحي وحقيقة النبوة، ومضمون النص القرآني، ولغته، وجمعه، وما اختص به من ذكر قصص في شكل أمثال، وما في القرآن من تشريع حكيم، وعلوم كونية، ومناهج تربوية، وأحداث ترشد وتعظ، ولن يدرك الإنسان هذه السعة المعرفية إلا إن حرّك سواكنه، وسمح لعقله أن يستضيء بنور العلم والمعرفة، بلا تعصب، ولا تعنّت.
لقد كشف القرآن عن ضلالات المضللين، فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد» (المائدة 73) وقال «ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام» (المائدة 75). إذن القرآن اتخذ موقفا واضحا من الكنيسة حين جعلت التثليث عقيدة لها..
ومما حيّر ومازال يحيّر الفكر هو بقاؤنا ليومنا في جهل لمدلول عديد المصطلحات التي لو فاز بحقيقة مدلولها الباحثون لزال الغموض، واتضح الطريق، ولكن كما قال خالقنا عز وجل واصفا حالنا «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الإسراء 85).
من شهادة الغربيين في القرآن: قال الدكتور «جان ساي» العالم الفرنسي «القرآن هو كتاب الإنسانية كلها، وأرى في المسلمين كفاية تامة للقيام ببيان تعاليم الإسلام ونشرها بين الناس جميعا».
وقال الكاتب الانجليزي «وليز» «من نظر إلى القرآن وجد فيه آراء علمية، قانونية، واجتماعية، فالقرآن كتاب علمي، وديني واجتماعي، وتهذيبي، وأخلاقي، وتاريخي، وكثير من النظم التي جاء بها القرآن يعمل بها في هذا العصر، وستبقى إلى قيام الساعة». وقال الدكتور «موريس» الفرنسي «إن القرآن أفضل كتاب أخرجته القدرة الأزلية لبني البشر».
حامد المهيري
قال الله تعالى «وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين» (الشعراء 192– 196)، وقوله «وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث» (الإسراء 106) وقوله «نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان» (آل عمران 3- 4).
أشار الدكتور محمد عابد الجابري إلى قصورنا عن معرفة عدد الرسل؛ فالقرآن الذي هو مرجعنا يخاطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم « ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك» (غافر 78) ولاحظ وجود علاقة الظاهرة القرآنية بالزمن (البداية الزمنية والبداية اللازمنية) في الآيات القرآنية السابقة الذكر وتحديد ماهية الظاهرة قائلا (فالأمر يتعلق بـ«تنزيل رب العالمين» أي بنص إلهي، «نزل به الروح الأمين» أي الملاك جبريل- من عند الله- «على قلبك» يا محمد «لتكون من المنذرين» أي رسولا تبلغ رسالتك «بلسان عربي مبين»).
ثم يستنتج أن القرآن «وحي من الله، حمله جبريل، إلى محمد، بلغة العرب، وهو من جنس الوحي الذي في كتب الرسل الأولين، إن هذا يعني أنه من جهة ليس جديدا كل الجدة، بل هو استمرار للخطاب الإلهي إلى البشر، يقول تعالى «والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه» (فاطر 31) أي التوراة والإنجيل، كما يعني من جهة أخرى أنه تجربة روحية تتلخص في تلقي الوحي «نزل به الروح الأمين على قلبك»، وأنه من جهة ثالثة رسالة تجعل حاملها «من المنذرين» المبينين للناس ما هو حق وما هو باطل، وتجعله بالتالي في مواجهة معهم. وهكذا تنضاف إلى التجربة الروحية (تجربة تلقي الوحي) تجربة أخرى اجتماعية إرشادية دعوية.
هناك إذن ثلاثة أبعاد في الظاهرة القرآنية: بعد لا زمني يتمثل في علاقتها بالرسالات السماوية، وبعد روحي يتمثل في معاناة النبي لتجربة تلقي الوحي، ثم بعد اجتماعي دعوي يتمثل في قيام النبي بتبليغ الرسالة وما ترتب على ذلك من ردود الفعل».
هذه المقاصد طال الجدل حولها قديما وحديثا، ومما زاد في سعة هذا الجدل عدم الكشف التام عن غطاء المصطلحات، فقد اتسع الحديث عن الظاهرة الطبيعية، والظاهرة الاجتماعية، والظاهرة الثقافية، إلى غير ذلك، والمشكلة الأساسية أن المصادر الإسلامية مادتها الأساسية هي الروايات، وهذه الروايات يبلغ خلافها أحيانا إلى حد التناقض، مما يثير الحيرة.
والواقع يفرض أن يقع النظر لهذه الرؤى المتعددة لشيء واحد، واختلاف الآراء لا يطعن في الحقيقة بل هو دليل على وجوب البحث بدقة عن الحقيقة، ونضع أمام بصائرنا أن الإنسان بطبعه مصاب بالنسيان، فالبشر غير معصومين. ومن هنا وجب نقد الفكر البشري، نقدا علميا، مجردا عن كل خلفيات، والايمان بأن الانسان عاجز عن استيفاء كل المعارف؛ وعلى هذا الأساس يجب أن نقتنع أن القرآن وحي إلهي وفهمه هو فكر بشري.
وفي نظري ويقيني أن كل من يريد دراسة القرآن يجب أن يكون عارفا بلغة العرب، معرفة أهلها بها، وهو الرأي الذي ارتآه الجابري حيث قال: «أن يحصر فهمه له ضمن «معهود العرب» أي ما يشكل قوام حياتهم الروحية والفكرية والاجتماعية إلخ، حجتهم في ذلك أن القرآن جاء يخاطب العرب ليفهموه، وأنه لا بد– تبعا لذلك– أن يكون خطابه بلغتهم في إطار معهودهم الاجتماعي والثقافي حتى يمكنهم أن يفهموه».
لا سبيل لدى فطاحلة اللغة وذوي الثقافة الواسعة أن يفهم القرآن قارؤه وحافظه فهما جيدا إلا إذا كان حاذقا معمقا ومثقفا ثقافة شاملة علمية معاصرة حتى يصبح المقروء معاصرا لنفسه ومعاصرا لقارئه في نفس الوقت. وأنا مع الذين يقولون أن «القرآن يشرح بعضه بعضا» إن اعتمدت في ذلك الشروط التي اتفق عليها أهل العلم والتفسير وضبط كبار العلماء والمفسرين أصولها.
إن الباحث في لفظ «الدين» يجد أن الأصل في الديانات السماوية الثلاث يتمركز حول وحدة الأصل، والدعوة المحمدية وعلاقاتها الخارجية، وشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والوحي وحقيقة النبوة، ومضمون النص القرآني، ولغته، وجمعه، وما اختص به من ذكر قصص في شكل أمثال، وما في القرآن من تشريع حكيم، وعلوم كونية، ومناهج تربوية، وأحداث ترشد وتعظ، ولن يدرك الإنسان هذه السعة المعرفية إلا إن حرّك سواكنه، وسمح لعقله أن يستضيء بنور العلم والمعرفة، بلا تعصب، ولا تعنّت.
لقد كشف القرآن عن ضلالات المضللين، فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد» (المائدة 73) وقال «ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام» (المائدة 75). إذن القرآن اتخذ موقفا واضحا من الكنيسة حين جعلت التثليث عقيدة لها..
ومما حيّر ومازال يحيّر الفكر هو بقاؤنا ليومنا في جهل لمدلول عديد المصطلحات التي لو فاز بحقيقة مدلولها الباحثون لزال الغموض، واتضح الطريق، ولكن كما قال خالقنا عز وجل واصفا حالنا «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الإسراء 85).
من شهادة الغربيين في القرآن: قال الدكتور «جان ساي» العالم الفرنسي «القرآن هو كتاب الإنسانية كلها، وأرى في المسلمين كفاية تامة للقيام ببيان تعاليم الإسلام ونشرها بين الناس جميعا».
وقال الكاتب الانجليزي «وليز» «من نظر إلى القرآن وجد فيه آراء علمية، قانونية، واجتماعية، فالقرآن كتاب علمي، وديني واجتماعي، وتهذيبي، وأخلاقي، وتاريخي، وكثير من النظم التي جاء بها القرآن يعمل بها في هذا العصر، وستبقى إلى قيام الساعة». وقال الدكتور «موريس» الفرنسي «إن القرآن أفضل كتاب أخرجته القدرة الأزلية لبني البشر».
No comments:
Post a Comment