Saturday, May 9, 2009

UGAMA DAN DUNIA...


نافس في الدين ولا تنافس في الدنيا
حامد المهيري
سفينة النجاة، دنيا بحر عميق، عمل صالح هو الزاد الحقيقي، سفر طويل يبدأ منذ بداية فراق الحياة الدنيا، مرقى صعب، وطريق في أعلى
الجبال شاقة المصعد صعبة المرتقى، ناقد يبصر كل عمل، خبير بصير، لا تخفى عنه خافية. تلك هي حياة الانسان في هذه الدنيا..فمن واجب الانسان أن يقف على خطورتها حتى لا يغترّ بها، ويقع في شباكها، في حديث عائشة رواه أحمد "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له، وعليها يعادى من لا علم له، وعليها يحسد من لا فقه له، ولها يسعى من لا يقين له" لذلك أفادنا أبو ذر الغفاري بقوله: أوصاني خليلي، صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات، هن إليّ أحب من الدنيا وما فيها قال لي: يا أبا ذرّ: "أحكم السفينة فإن البحر عميق، واستكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفّف ظهرك فإن العقبة كؤود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير".لعل السفينة التي يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم باحكامها هي العمل الصالح، ولعل البحر الذي يشير إلى عمقه هو الدنيا. استنتج هذا بعض المفسرين من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن لله عـبادا فـــطـنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنانظروا فيها فلما علموا أنها ليـــست لـــحـي وطـناجعلوها لجة واتخـــذوا صالح الأعمال فــيها سفــنا"ومن وصية لقمان لولده وهو يعظه "يا بني إن الدنيا بحر عميق.. وقد غرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل.. فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل، وحشوها الايمان بالله تعالى، وشراعها التوكل على الله عز وجل.. لعلك تنجو وما أراك ناجيا". يبدو من ذلك أن الدنيا دار لا أمان فيها ولا استقرار، ومثلها في ذلك كمثل البحر الذي لا أمان له، فقد تراه تارة هادئا، وتارة أخرى هائجا، وحول هذا المعنى يقول الشاعر "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن". ويا لغباوة الانسان سوّلت له نفسه أن يشتري الحياة الدنيا بالآخرة، وكأني به لا يهمه قول الله تعالى "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون" "البقرة 86" وصدق حديث مسلم عن أبي هريرة "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر" وحديث ابن أبي الدنيا والبيهقي "حب الدنيا رأس كل خطيئة" وكان لوصية الحسن نفعا "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره" ورحم الله من قال: "ومن يذق الدنيا فإني طعمتـهاوسيق إلينا عذبها وعــذابـها..وماهي إلا جـيفة مـستـحيلة عليها كلاب همهن اجــتذابهافإن تجتنبها كنت سلما لأهـلها وإن تجتذبها نازعتك كــلابهافدع عنك فضلات الأمور فإنها حرام على نفس التقي ارتكابها".وكم من أناس هلكوا في صراع مع غيرهم عن إرث الدنيا ومغرياتها وشهواتها."ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين" "الحج 11" فتحتم على الانسان أن يعمل العقل للنجاة من شرور الدنيا، وحتى لا يغرق في بحر الدنيا العميق الذي غرق فيه كثير من عباد الدنيا الذين تأثروا بها وبملذاتها وأهوائها.وإذا كان العمل الصالح هو سفينة النجاة في الدنيا والآخرة بدليل قول الله تعالى "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا" "النور 55"... فإن التقوى هي أيضا سفينة النجاة في الدنيا والآخرة بدليل قوله تعالى "فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" "الأعراف 35"، وقوله عز وجل "ومن يتق الله يجعل له مخرجا" "الطلاق 2" "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" "الطلاق 4" "ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا" "الطلاق 5".فإذا كانت السفينة هي الايمان والتقوى، والمؤمن التقي سيكون من أولياء الله الذين تحدث عنهم "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم" "يونس 62-64". إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم شبه الدنيا بالبحر العميق فقد شبّه الله تعالى الدنيا بالماء فقال "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا" "الكهف 45" وغيرها من الآيات في سورة يونس، والحديد. فالماء لا يستقر في موضع ولا يبقى على حالة واحدة كذلك الدنيا، فالماء إن كان بقدر ينفع وإن تجاوز المقدار صار ضارا مهلكا، كذلك الدنيا، الكفاف منها ينفع وفضولها يضر، ففي صحيح مسلم "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما أتاه" وما قيل وكتب عن الدنيا يجمع في مجلدات.فالنافع لك أيها الانسان احرص أن يكون شراع سفينتك مصنوعا من نسيج التوكل على الله لعلك تنجو "واستكثر الزاد فإن السفر طويل" فالزاد هو العمل الصالح "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعلمون" "النحل 97" وهناك آيات في سورة الكهف، وفصّلت والمؤمنون، وآل عمران إلى جانب الأحاديث النبوية العديدة الداعية إلى العمل الصالح.والمقصود من قوله صلى الله عليه وسلم "وخفف ظهرك فإن العقبة كؤود" أي أن تعمل قبل رحليك إلى العالم الآخر على اعطاء كل ذي حق حقه حتى لا تتعرض للخيبة "وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما" "طه 111" فالعقبة هي المرفأ الصعب والطريق في أعلى الجبال، ومعنى كؤود شاقة المصعد صعبة المرتقى. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم.. إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" روي عن أبي هريرة. وقد يكون المقصود أداء الفرائض أو ايذاء المؤمنين والمؤمنات بالأفعال والأقوال القبيحة كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق كما أشار تعالى "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" "الأحزاب 58" وقوله عز وجل "ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" "النساء 112".وفي قوله صلى الله عليه وسلم "واخلص العمل فإن الناقد بصير" وهذا واضح في قوله تعالى "والله بصير بما تعملون" "البقرة 96" "ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" "هود 112" "واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير" "سبأ 11" "إن الله بعباده لخبير بصير" "فاطر 31" "وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير" "الحديد 4" فالله تعالى قال "إن الله كان عليكم رقيبا" "النساء آية 1" "وكان الله على كل شيء رقيبا" "الأحزاب 52" "إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" "آل عمران 5".وحتى يتحقق منك أيها الانسان الاحسان الذي قصده الرسول عليه الصلاة والسلام عندما سأله جبريل عن الاحسان قال "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، لابد أن تلتزم بمكارم الأخلاق، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" رواه مالك. فنافس في الدين ولا تنافس في الدنيا.

No comments:

Post a Comment