Thursday, May 21, 2009

FASTAQIM KAMA UMIRTA


بماذا كرم الله ابن آدم
حامد المهيري
«ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» (الإسراء 70) فتفضيل ابن آدم على سائر أهل جنسه بالعقل الذي به فرق بين الخير والشر، وأدرك به علم ما غاب عنه، وبعد منه. وهذا دليله أن الله تعالى لم يخاطب إلا من صح عقله، واعتدل تمييزه، ولا جعل الثواب والعقاب إلا لهم، ووضع التكليف عن غيرهم من الأطفال الذين لم يكمل تمييزهم، والمجانين الفاقدين لعقولهم. والعقل حجة الله سبحانه على خلقه، والدليل لهم إلى معرفته، والسبيل إلى نيل رحمته. هذا ما أفادنا به أبو الحسن الكاتب وروى أن الإمام جعفر الصادق قال لصاحبه هشام «يا هشام: إن لله سبحانه حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل، وأما الباطنة فالعقل» إذا لولا العقل لما حصل التمييز بين العاقل والجاهل، ولا بين الإنسان وسائر الحيوان، فبالعقل إذن تنال الفضيلة. وهو عند الله أقرب وسيلة.وقد قسم العقل إلى موهوب، ومكسوب: فالموهوب ما جعله الله في جبلة خلقه قال تعالى «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» (النحل 78) والله تعالى فضل في هذه الموهبة بعض خلقه على بعض على مقدار علمه فيهم، كما فضل بعضهم على بعض في سائر أخلاقهم وأفعالهم فقال «نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات، ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون» (الزخرف 32).والمكسوب ما أفاده الإنسان بالتجربة، والعبر، والأدب، والنظر، فقال تعالى «أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» (الحج 46). وجعل من أعطاه العقل الغريزي فأهمله، وترك شحذه بالأدب، والتفكر، والتمييز، والتدبر كالأنعام.وعرفنا أن مصيرهم إلى النار، فقال تعالى «ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون» (الأعراف 179) «إلا أن العقل الموهوب أصل، والمكسوب فرع، والأشياء بأصولها، فإذا صح الأصل صح الفرع، وإذا فسد فسد، وقد شبه بعض القدماء العقل الغريزي بالبدن، وشبه المكتسب بالغذاء، فكما أن الغذاء لا يستحيل إلا بالأبدان المحيلة له، ولا ينفع إلا بحصوله فيها، فكذلك العقل المستفاد بالأدب لا يتم إلا بالعقل الغريزي، فكما أن البدن إذا عدم الغذاء لم يكن له بقاء، فكذلك العقل الغريزي إذا عدم الأدب.فإذا صح العقل الموهوب كان بمنزلة البدن الصحيح الذي يستمرئ الغذاء وينتفع به، وإذا فسد كان بمنزلة البدن المريض الذي لا يشتهي الغذاء، وإن حمل عليه منه ما لا يدعوه طبعه إليه كان زائدا في مرضه واستحال إلى الداء الذي هو غالب عليه» ولذلك قيل «إن الأدب يذهب عن العاقل السكر، ويزيد الأحمق سكرا» وقال الله عز وجلا «قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد» (فصلت 44).فأحمد الناس عند الله، عز وجل، وعند الحكماء أصحهم عقلا، وأكثرهم علما وأدبا، وقد قال الله عز وجل «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون» (الأنفال 22) وقال «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (الزمر 9) وقال «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» (المجادلة 11) وأخبر تعالى بعاقبة من أهمل نفسه وضيع عقله فقال «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير» (الملك 10-11).فمن لم يتفكر بقلبه وينظر بعقله لم ينتفع بهذا الجوهر الشريف الذي وهبه الله له، وإلى التفكر ندب الله عباده، وبالاعتبار أمرهم، فقال «أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض ما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى..» (الروم 8) وقال «أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة» (الأعراف 184) وقال «فاعتبروا يا أولي الأبصار» (الحشر 2).كم من كتب نبه أصحابها الناس حتى لا يتبعوا الشيطان وخطواته مستدلين بقول الله تعالى «ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين» (الأنعام 142). وكم من واعظ حذر من نزغ الشيطان بقول الله تعالى «وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم» (الأعراف 200).وأنت يا ابن آدم لم تفهم أن بالفكر والاعتبار يتقى الزلل والعثار، وبالتجارب تعرف العواقب، وتدفع النوائب، ألم يكفك قول خاتم المرسلين «إذا أردت أن تفعل أمرا فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فأمضه وإن كان شرا فانته». ألم يكف فضل الله عليك أنه جعل رسله مبينين لخلقه فقال «وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم» (إبراهيم 4) وقال «أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين» (الدخان 13)؟ لا وجود لأي عذر، فالعذر الوحيد الذي لا يمكن قبوله هو جهل الإنسان للغته، وهو السبب في إهمال الدين الموجه للناس كافة- الإسلام- لن تتحقق الاستقامة التي أمرنا بها الله تعالى إلا بفهم أوامر الله باللغة التي وردت بها، لغة القرآن الكريم، «فاستقم كما أمرت» (هود 112) والاستقامة هي ثمرة الآداب التي وردت في القرآن، بلغة القرآن فكيف يحذقها الإنسان حذقا كاملا تاما واضحا إذا كان يجهلها؟ فالمترجم أو الناقل من لغة إلى أخرى، ينقل ما فهمه بفكره، بينما المقصد فيه سعة مما جعل حتى أهل اللغة الواحدة انقسموا إلى مذاهب حسب اجتهاداتهم. صحيح الترجمة هي أخف الضررين لكن غير كافية، يجب تعميم نشر لغة القرآن.

No comments:

Post a Comment