أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته
حامد المهيري
"أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فمن أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة" هذا الحديث يتضمن حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على مساعدة العاجزين عن بلوغ حاجاتهم، وذلك بإيصال الطلب إلى القادر على قضاء الحوائج لأن هؤلاء العاجزين لا يطيقون إبلاغ حاجاتهم بأنفسهم إلى أهل الحل والعقد من أولي الأمر والسلطان، وهذا أمر ظاهره الوجوب والترغيب فيه بالوعد بالثواب. فمن أعلم السلطان القادر على انفاذ ما يبلغه سواء كانت الحاجة دينية أو دنيوية فقد نال رضا الله وثوابه ويثبته تعالى على الصراط يوم تزل الأقدام، لأن الصراط طريق خطر السلوك. من غرائب هذا العصر أن إبلاغ حاجة المحتاج للسلطان أصبحت منظمة، وحقا مكتسبا، في الدساتير الوضعية، ولكن هل هي سارية المفعول على أرض الواقع؟رغم أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أجرى الله على يديه فرجا لمسلم فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة" وهو حديث ضعيف ويدعمه الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني عن جرير "من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء" وفي رواية أخرى صحيحة عن أحمد عن سعيد "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" وفي حديث حسن رواه أحمد والترمذي عن عمرو بن مرة "ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته" أي ما من مسؤول يلي من أمور الناس شيئا يمنع الناس من الولوج عليه وعرض أحوالهم عليه ويترفع عن استماع كلامهم فالله تعالى منعه عما يبتغيه وحجب دعاءه من الصعود إليه جزاء وفاقا. قال ابن حجر "فيه وعيد شديد لمن كان حاكما بين الناس فاحتجب لغير عذر لما فيه من تأخير إيصال الحقوق أو تضييعها، والفرق بين الحاجة والخلة والفقر أن الحاجة ما يهتم به الإنسان وإن لم يبلغ حد الضرورة بحيث لو لم يحصل لاختل أمره، والخلة ما كان كذلك مأخوذ من الخلل لكن ربما يبلغ حد الاضطرار بحيث لو فقد لامتنع التعيش. والفقر هو الاضطرار إلى ما لا يمكن العيش دونه مأخوذ من الفقار كأنه كسر فقاره ولذلك فسر الفقير بأنه الذي لا شيء له. رغم كل ما ذكرت فما زال المحتاج لقضاء حاجة ما معنوية أو مادية، يعاني من الفرقة بينه وبين أخيه الإنسان القادر على تسوية وضعيته، تسوية عادلة، ترضي الله تعالى أولا وترضي الناس في حقوقهم الضرورية لا أقول الكمالية.فهل فهم أهل الكبرياء بمالهم، أو بجاههم، أو بأي شيء آخر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"؟ وهل قدروا مضمون حديثه عليه الصلاة والسلام، حق قدره" إذا أراد الله بعبد خيرا صير حوائج الناس إليه"؟.انظر ما قاله صلى الله عليه وسلم "لأن أعين أخي المؤمن على حاجته أحب إليّ من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام" و"خير الناس أنفعهم للناس".وبعد كل هذا يا من يختبرك الله قبل أن تسافر إلى عالم الخلود حتى ترشحك أعمالك لأنعم المنازل، أو لأشقاها، أقول لك ما قاله الخضر لموسى عليهما السلام "إنك لن تستطيع معي صبرا" "الكهف 67" والقصة مبسوطة في سورة الكهف.إنني أتوجه بهذا إلى من نفسه تلومه لعله يهتدي، أما من سولت له نفسه، وانبطح لنفسه الأمارة بالسوء، فهذا لا ينفعه لأنه من الذين تنطبق عليهم العبارة المأثورة "لا ينفع العقار ما أفسده الدهر" وأدعو الله أن يرفع الوسوسة عن صاحب النفس الموسوسة حتى يطمئن ويأمن من شر بوائقه.ففي المثل الفرنسي "حب الخير للناس هو أدب القلوب" وفي المثل الياباني "احترم كل الناس كما تحترم والدك" وقد قيل "الرجل العظيم هو أنفع الناس للناس" وفي المثل الانجليزي "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك". قال شيلون "إذا كنت جبارا نافذ الكلمة، فاسْعَ لتكون صالحا حتى يشعر الناس نحوك بالمحبة لا بالخوف" وفي المثل الاسباني "الذي لا تحبه لنفسك لا تطلبه لي" وفي المثل البولندي "من أطفأ شمعة غيره بقي في ظلام مثله" وفي المثل الحبشي "من أحب الناس أحبه الله" وقد قيل "المداراة نصف المعيشة" و"من حسنت مداراته كان في ذمة السلامة".قال العتابي "المداراة سياسة لطيفة لا يستغني عنها راع ولا سوقة، يجتلبون بها المنافع، ويدفعون بها المضار، فمن كثرت مداراته كان في ذمة الحمد والسلامة" قال بعض الحكماء "مداراة الناس نصف العقل"، ولهذا قيل "ينبغي للعاقل أن يداري زمانه مداراة السابح في الماء الجاري" وفي المثل الفارسي "المقيد بالسلاسل مع الأحبة، خير من الطليق مع الأعادي في البستان".تلك هي بعض التوجيهات الثمينة المفيدة الصادرة من أهل الخبرة والتجربة ذكرتها لعلها تصلح علاجا للمحتاجين، وتذكيرا للمتكبرين، وإنذارا للمتجبرين، ووقاية للموسوسين، لا أريد جزاء ولا شكورا، وإنما ألح على الصالحين والمصلحين، أن يتوكلوا على الله "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا" "الطلاق 3" ليصلحوا ويصالحوا، فقد قال عليه الصلاة والسلام "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" دليل على قضاء الحوائج والسعي فيها. فجزائي وشكري يلحقني من الله تعالى يوم يهتدي المتكبرون، ويقلعون عن ابتعادهم عن المحتاجين لقضاء حوائجهم، ويسعون في إدخال السرور على المحتاجين، فقد روي عن ابن عباس "أحب الأعمال إلى الله- بعد أداء الفرائض- إدخال السرور على المسلم".
No comments:
Post a Comment