Friday, September 19, 2008

BADR KUBRA

غزوة بدر الكبرى وأبعادها


بدر الكبرى، بدر العظمى، يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، يوم البطشة الكبرى، أول غزوة فصلها القرآن، حدثت في السابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة، وبقيت فخرا للمسلمين، ووقعت بين مكة والمدينة ببئر الروحاء كانت مملوكة لرجل اسمه بدر فسميت باسمه.

سببها حصول أزمة بين قريش والمسلمين مرجعيتها مؤامرة فاشلة لقتل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ونجا منها، وهاجر إلى المدينة التي صارت مركزا إسلاميا حرا طليقا، أحرج قريش وهددها في أوثانها وتجارتها بين مكة والشام، مما دفعها لمحاولة القضاء على هذا المركز الجديد الذي يهدد حياتها الدينية والاقتصادية.

فأعدت العدة للزحف، أما المسلمون فاحتملوا ألوانا من الضغط والعدوان إبان إقامتهم في مكة، فتركوا ديارهم وأموالهم، وهاجروا بدينهم إلى المدينة، فلاحقتهم قريش بطغيانها، وعجزت الطرق السلمية للحماية فحلت الفرصة السانحة إذ كانت عير لقريش تحمل ثروات طائلة من أهل مكة، ألف بعير محملة بالأموال، ولم يتجاوز حرسها الأربعين رجلا، فكانت فرصة ذهبية لعسكر المدينة وضربة عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة ضد المشركين لو فقدوا هذه الثروة فأعلن الرسول عن ذلك لعل المسلمين يسترجعون ما افتك منهم وترك الخيار للجماعة.

كان قائد القافلة أبو سفيان بن حرب حذرا، يتحسس الأخبار، حتى علم بالخطر فاستأجر ضَمْضَمَ بن عمرو الغفاري لينشر الخبر بمكة لمنع محمد صلى الله عليه وسلم من الاستيلاء على عيرهم فتَحفز الناس للمشاركة في الغزو. وكان المسلمون يريدون إثبات قوتهم أمام قريش ويسترجعوا نظير أموالهم المسلوبة. لكن نجت القافلة بحذر أبي سفيان حيث استفيد من ضمضم بن عمرو وبمرور راكبين استراحا فبادر إلى مناخهما وأخذ من أبعار بعيرهما ففتته فإذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب، فحول وجهة سفره نحو الساحل غربا ونجا.

ولما علم جيش مكة بنجاة القافلة حاول القرشيون الرجوع لكن اختلف بعضهم مع الأخنس بن شريق فرجعوا ومعهم بنو زهرة؛ وبعضهم، وهم بنو هاشمن ضغط عليهم أبو جهل ولما بلغ الخبر جيش المدينة استعدوا، إذ اجتمع المجلس الاستشاري وحصلت استشارات عسكرية عالية مع أهل الذكر فكانت أجوبة القائدين أبو بكر، وعمر بالإيجاب.

وقال المقداد بن عمرو «يا رسول الله امض لما أراد الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (بلد بالحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه» فشكره الرسول وانتظر رأي الأنصار قائلا «أشيروا علي أيها الناس» ففطن قائدهم سعد بن معاذ فقال «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال «أجل» فقال «قد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا، أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصُبر في الحرب، صُدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله».

وفي رواية أخرى «لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم، فأظعن حيث شئت، وصِل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البكر من غمدان لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك»، فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير؛ وقد فاتت العير فلا بد من الطائفة الأخرى لأن وعد الله لا يتخلف، يشير إلى هذا قوله «والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم».

عملية الاستكشاف والاستفادة من أهل الخبرة: كانت البداية عامة عن طريق شيخ من العرب ثم قام بالعملية علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، ذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة فقبضوا عليهما وقدموهما للرسول عليه الصلاة والسلام وهو في الصلاة وعند الاستخبار قالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، وظن القوم أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما مما أجبرهما على القول، نحن لأبي سفيان فتركوهما.

ولما فرغ الرسول من الصلاة عاتبهم «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإن كذباكم تركتموهما. صدقا والله إنهما لقريش فاستفسرهما عن قريش فنعتاه واتضح الأمر. في تلك الليلة نزل المطر فكان على المشركين وبالا منعهم من التقدم، وعلى المسلمين ظلا طهرهم به وأذهب عنهم رجس الشيطان وساعدهم ذلك ليسبقوا المشركين إلى ماء بدر. نزل الرسول عليه الصلاة والسلام عشاء أدنى ماء من مياه بدر فسأله الحباب بن منذر خبير عسكري: أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكم الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم –قريش- فننزله ونغور أي- نخرب- ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي فانتقل بالجيش عليه الصلاة والسلام حتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه شطر الليل ثم صنعوا الحياض وغوّروا ما عليها من القلب. واقترح سعد بن معاذ أن يبني المسلمون مقرا للقيادة استعدادا للطوارئ حيث قال سعد بن معاذ «يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك ولحقت بمن وراءنا من قومنا. فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك» فتم ذلك، وانتخبت فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد للحراسة.

المعركة: فشلت سياسة السلم، وتقررت المعركة، وكان أول وقودها الأسود بن الأسود المخزومي وهو شرس سيئ الخلق خرج قائلا: لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وضربه فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فحبا إلى الحوض فقضى عليه حمزة، وهو أول قتل أشعل نار المعركة ثم خرج ثلاثة من قريش من عائلة واحدة: عتبة بن ربيعة، وابنه الوليد، وأخوه شيبة، وعتبة جد معاوية بن أبي سفيان لأمه وطلبوا المبارزة فخرج ثلاثة من شباب الأنصار عوف ومعوّذ ابنا الحارث، وأمهما عفراء، وعبد الله بن رواحة، فقالوا من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، قالوا: أكفاء كرام ما لنا بكم حاجة وإنما نريد بني عمنا ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قومنا، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث، وحمزة، وعلي، وتمت المبارزة بانتصار المسلمين.

ثم وقع الهجوم العام، المشركون في غضب مشط، والمسلمون في صبر وتضرع إلى الله، والرسول عليه الصلاة والسلام يناشد ربه ما وعد من النصر إلى أن أوحى إليه تعالى «أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين» (الأنفال آية 9) ثم تأتي البشارة «سيهزم الجمع ويولون الدبر» (القمر آية 45) وفي ذلك أنزل الله «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» (الأنفال آية 17). ورغم صمود أبي جهل فقد لقي مصرعه وانتهت المعركة بانتصار المسلمين، وتركت فوائد وخبرات منها فك الأسرى مقابل أموال نقدية أو تعليم الأميين من المسلمين، وهذا دليل على أن العلم ثروة تغني صاحبها وتعطيه أقدس ما يتمناه، الحرية، وفيها رفعت معنويات المسلمين، وأزيل الضيم عن المستضعفين.

ومن فوائدها تعليم الأجيال قوة الاعتماد على الله واليقين من نصره مهما كان كبرياء وغرور العدو وغطرسته. ومن الأوجه الحكيمة التضرع إلى الله والاستغاثة به، والشورى وأخذ الرأي الأصح، والاستماع إلى آراء القادة الكبار أهل الخبرة، والتعبئة الجديدة كالتشكيلات الحديثة في حروب الصحراء، وفيها مقدمة، وقسم أكبر، ومؤخرة، ودوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات المطلوبة، ومسيرة الاقتراب في حروب الصحراء، واعتماد أسلوب الصف في القتال: الصف الأمامي من المسلمين بالرماح لصد هجمات الفرسان، الصفوف المتعاقبة من المسلمين بالنبال لتسديدها في وجه الأعداء المهاجمين، بقاء الصفوف في مواضعها حتى تفقد القوة المهاجمة شدتها، تأمين قوى احتياطية للطوارئ، للدفاع أو الهجوم في وقت واحد. وستبقى ذكرى هذه الغزوة نبراسا مضيئا للأجيال.

No comments:

Post a Comment