لا للزور واللغو:
وفي سياق الآيات المباركات التي تتحدث عن صفات عباد الرحمن، ذكر الحق عز وجل أن من صفات عباده المقربين وأوليائه الصالحين أنهم لا يحضرون الزور ولا يشهدون به، قال تعالى نافيا عنهم ذلك (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما)، والزور في اللغة الكذب بعمومه.. وقال بعض المفسرين هو الشرك، وقال بعضهم هو الكذب والفسق والباطل الغثاء.. فمعنى (لا يشهدون الزور) أنهم يجتنبون كل فعل أو قول محرم، فالغيبة والنميمة والسب، والقذف والجدل بالباطل، وتزوير الحقائق، ومجالس الخمر، وغيرها من أنواع اللهو، لا يشهدونها ومن باب أولى لا يفعلونها، ويدخل في ذلك شهادة الزور، وهي الكذب متعمداً على غيره فإنها من أمهات الكبائر التي حرمها الله عز وجل، ففي الصحيحين "عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت". وهنا نرى أن كل ما يفسد الحياة ويعكر صفوها من هذه الآفات، قد نزه الإسلام أتباعه عنه، ابتغاء حياة كريمة، نقية، نظيفة، فإن الأمة المضطربة، التي يعكر صفوها كل أو بعض هذه الآفات لا يمكن أن تستقيم حياتها، وبالتالي لا يمكن أن تؤدي رسالتها، فكم من شهادة زور جرمت بريئاً، ولوثت نظيفاً.. لذلك بين المصطفى صلى الله عليه وسلم بصورة عملية خطورة قول الزور فيعتدل في جلسته ويكرر (ألا وشهادة الزور) مرات حتى قالوا ليته سكت... هذا ومن صفات عباد الله المقربين وأوليائه الصالحين أنهم إذا صادف ومروا بلغو من قول أو فعل، مروا دون أن يلقوا لهذا اللغو بالاً إكراماً لأنفسهم، وحفاظاً على عرضهم، وصوناً لكرامتهم -(وإذا مروا باللغو مروا كراما)، وفي آية أخرى (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين)، واللغو في لغة العرب هو الساقط من القول أو الفعل، وكل ما ينبغي ان يطرح ويلقى به بعيداً لرداءته، وعدم نفعه.. هو نوعان: 1-لغو القول: ومصدره اللسان، واللسان أصغر وأخطر أعضاء الإنسان، فهو مصدر للشر كما هو مصدر للخير، وكل ما ينطق به اللسان محاسب به الإنسان، ومجازى به، فهو محصي عليه أقواله، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وفي الحديث الصحيح "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تذكر اللسان، وتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن منك إن استقمت استقمنا، وأن اعوججت اعوججنا".. سأل عطية بن عامر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما طريق النجاة يا رسول الله؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك". هذا وآفات اللسان كثيرة، فهو مصدر لغو القول، وعلى المسلم ان يحذر فيحفظ لسانه ولقد قيل ان مقتل الرجل بين فكيه.. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين سأل متعجباً، أو نحن مؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟! قال: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبُ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم". وصدق القائل: احفظ لسانك أيها الإنسان .. لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان وقال آخر: احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق هذه بعض آفات اللسان، وهذا لغو القول الذي نزه الله عنه أولياءه.
No comments:
Post a Comment