Friday, September 19, 2008

UHUD

بين صليل السيوف وصهيل الخيول
أحد.. جبل البطولات والشهداء


صهيل الخيول مازال يُسمع في قلب المعركة، وصليل السيوف وبريقها مازال يلتمع على قمم الجبل الشماء! ومازال المكان الذي شهد الموقعة الشهيرة في تاريخ الاسلام على سفح الجبل يعج منذ اكثر من 14 قرنا بالزوار.. روى انس بن مالك رضي الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال:» أحد جبل يحبنا ونحبه وهو على شرعة من شرع الجنة».. فما هي قصة احد جبل البطولات والشهداء؟
يقول الدكتور سعود الخلف استاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية أن جبل أحد سمي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هنالك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، وأُحد مشتق من الوحدانية، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الوتر في شأنه كله فوافق ذلك اسم جبل احد، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر الى احد وقال: (إن أحداً جبل يحبنا ونحبه).
وقد ثبت ان جبل أحد اضطرب تحت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فضربه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اثبت أحد فما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان) .
استراتيجية الموقع
يمثل موقع جبل احد الذي اشتهرت منطقته بغزوة احد الشهيرة التي استشهد فيها أكثر من (70) صحابياً منطقة استراتيجية مهمة في طيبة الطيبة فهو يشرف على التقاء عدد من مجاري الأودية والواحات الخضراء فيما يطل جبل أحد على المدينة المنورة من الجهة الشمالية كمانع طبيعي على شكل سلسلة من الشرق الى الغرب مع ميل نحو الشمال من المدينة المنورة بطول 7 كلم وعرض يتراوح من 3-2 كلم , ويبلغ ارتفاع الجبل 350 متراً ويبعد عن المسجد النبوي الشريف بحوالى خمسة كلم تقريباً. وإذا نظرنا الى تكوينات صخور الجبل نجد أنها من الجرانيت الأحمر فيما تميل أجزاء من صخوره الى الخضرة الداكنة والسواد وتتخللها تجويفات طبيعية تحتجز مياه الأمطار أغلب أيام السنة وتسمى تلك التجويفات (المهاريس) وعلى مقربة من جبل احد تتناثر عدة جبال صغيرة من أهمها جبل ثور الواقع في الشمال الغربي وجبل عينين في الجنوب الغربي ويعبر عند قاعدة الجبل وادي قناة ويتجاوز الجبل غرباً ليصب في مجمع الأودية .
ولشهداء أحد مكانة خاصة على نحو ما أظهرت الأحاديث الشريفة فعن جابر بن عبدالله أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟) فإذا أشير الى أحد قدمه في اللحد وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلوا ولم يكفنوا. وقد ورد أن الملائكة غسلت بعض شهداء أحد مثل حنظلة بن أبي عامر بعد أن خرج للجهاد جنباً في أول ليلة لعرسه.
الأجساد الطاهرة
وتضم مقبرة الشهداء الواقعة على سفح الجبل من الناحية الجنوبية بين جنباتها شهداء المعركة الذين لازالت حكاياتهم وروايات البطولات التي سطروها خالدة في أذهان الصغار قبل الكبار , في الذود عن حياض الإسلام والمسلمين , ومن بين أولئك الشهداء الأطهار عم الرسول حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه والذي لقب بـ(أسد الله) والذي ولد قبل مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين وتمت رضاعتهما معا من قبل جارية أبي لهب ثويبة ، فجمعته برسول الله صلة الاخوة ، وكان لتلك العلاقة القوية السبب في إسلام حمزة رضي الله عنه فيقال أنه أسلم بعد أن علم بأن أبا جهل قد سب الرسول ، فذهب إليه وسط صحبه وشج رأسه ، متحديا إياه بأن يقرب ابن أخيه وهو على دينه، فما استطاع أحد أن يرد التحدي الذي أطلقه حمزة بن عبد المطلب من شدة بأسه وقوته، وبإسلامه ردّ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بعضاً من أذى المشركين في مكة.
وقد كان حمزة رضي الله عنه يقاتل في معركة أحد بسيفين في بطولة لم يسبقه إليها أحد , ورغم رباطة جأشه وقوته التي كان يهابها جيش المشركين فقد تمكن العبد وحشي الحبشي الذي طمع بالحرية عندما وعده بها سيده جبير بن مطعم إذا ما قتل حمزة انتقاما لعمه الذي قتل في بدر ، حيث لم يكن وحشي يريد من تلك المعركة سوى قتل حمزة للظفر بالعتق والحرية حيث تربص بحمزة من بعد ورماه بحربة فأصاب أسفل بطنه حتى خرجت من بين رجليه ، وسقط بعدها شهيداً كما ذكر ذلك وحشي بعد إسلامه للرسول ، حينما أمره بأن يذكر قصة قتله لحمزة ، وعلى إثرها أمره الرسول بأن يغيب وجهه عنه ففعل ذلك حتى قبض عليه الصلاة والسلام . لكن حكاية موت حمزة لا تقف عند ذلك ، إذ أن نسوة من قريش قمن بالتمثيل بجثته، وكانت منهن هند بنت عتبة التي قتل أبوها وأخوها في بدر ، والتي انتزعت كبده ومضغته في فمها ولم تستسغه فلفظته سريعا، ومن شدة ما فعلن به من تشويه كان الرسول قد آلمه منظره كثيرا ، وحين أمر صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء في المقبرة كان يأمر بإحضار سبعة سبعة، يصلى عليهم بسبع تكبيرات، ثم دفنوا دون غسلهم وبدمائهم وعلى هيئتهم التي قتلوا عليها، حتى انتهى بحمزة وقال عنه سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب . ودفن حمزة في بطن جبل أحد وعمره يقارب 58 سنة ، وبجواره قبر ابن أخته عبد الله بن جحش ، وكذلك حنظلة بن أبي عامر الذي كان من بين الشهداء وكان جنباً حيث استشهد في ساحة المعركة لأنه خرج للجهاد في أول ليلة لعرسه ، فدفن دون غسله ، وغسلته الملائكة، وهذه المقبرة التي ضمت 70 من الصحابة كان لها معزة في قلب رسول الله ، وكما ورد عنه أنه كان يتعهدهم بالزيارة بين حين وآخر ، وهو ما سارت عليه أمته من بعده ، حيث يزورها المسلمون من كل فج للسلام على شهداء أحد.
شموخ المكان
وقال الدكتور عبد الباسط بدر مدير مركز المدينة للبحوث والدراسات إن لجبل احد مكانا عالي الشأن رفيعاً شامخاً بطبعه مهاباً بمنظره، إن شاهدته نهاراً اختلف وصفه ليلاً. وأضاف: أن الجبل يعد أكبر جبال المدينة المنورة وكان في الجاهلية يعرف باسم «عنقد».
وفيما يتعلق بقبور شهداء أحد قال: جميع قبور الشهداء مسورة بسور يصل ارتفاعه الى ثلاثة أمتار تغطي معظمه اللوحات الإرشادية بلغات مختلفة وبابه الحديدي قسمه العلوي زجاجي يسمح فيه برؤية قبور الشهداء في المنطقة المسماة بـ(سيد الشهداء) أو كما تعارف أهالي طيبة الطيبة على تسميتها بـ(سيدنا حمزة) .
وقد اكتشف مؤخراً عدد من باحثي ومختصي المدينة المنورة إشارة ومعجزة إلهية لحديث (جبل يحبنا ونحبه) والتي ظهرت بعد 1400 سنة لتظهر تلك المحبة مجسمة ومنقوشة على أحجاره وبين مرتفعاته بعض من معاني هذا الكلام بأن جبل أحد يحمل اسم الرسول (على حجارته وتكويناته الصخرية الطبيعية دون أن تتدخل اليد البشرية في ذلك، والذي يظهر جلياً على سطحه بحفر اسم محمد) .
وذكر في كتب السيرة والتاريخ عن مايحتويه جبل أحد أن فيه غاراً أقام فيه عليه الصلاة والسلام يقع هذا الغار في فم الشعب وهو فتحة بين طرفي جبل في هذه المنطقة يتكون من التفاف الجبل ويصبح شبه حوض يضيق فيه السهل جداً وكذلك مسجد يذكرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم استراح مكانه بعد انتهاء معركة احد كما قيل انه صلى فيه الظهر والعصر وقد أقيم الآن مكانه مسجد يتسع لما يقارب 800 شخص يصلي فيه الزائرون ، وموضع الصخرة التي كان صلى الله عليه وسلم يجلس عليها ، ويبعد الغار عن المسجد المذكور 100م وعن جبل الرماة شمالاً 1000م. وأضاف وفق المصادر التاريخية الموثوقة: انه لا يوجد هناك غار بل يوجد شق صغير في الجهة الغربية من جبل احد، وان الرواية المتواترة القائلة بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لجأ الى شعب في الجبل نحن لا ننفيها إذ أن الأوصاف ليست ببعيدة عنه والاحتمال قائم. وأكد د. عبد الباسط عن حسم قضية الجدل القائمة في الفترة الماضية لطمسه تخوفاً من تحوله من معلم تاريخي مهم الى مكان مقدس قائلاً: القضية حسمت ولن يطمس الغار وستكون هناك خطة شاملة بتنظيم زيارة المواقع الأثرية في جبل احد وسيد الشهداء وذلك التنظيم بأحدث الطرق والأساليب وهذا تأكيد على عدم هدم أي معلم أو أثر تاريخي له مكانة بسبب بعض الممارسات الخاطئة من الجهلاء. في حين لاتزال الجهات المعنية تعكف على تنفيذ خطة تطويرية لمحيط جبل أحد للاعتناء بالمكان دون المساس بموروثاته الدينية التي تحيط بمقبرة الشهداء , حيث يقول الدكتور يوسف المزيني المدير التنفيذي للجنة التنمية السياحية بمنطقة المدينة المنورة أن نهج هيئة السياحة المحافظة على الأماكن ذات القيمة التاريخية وعدم طمسها ولكن بما يتفق مع التشريع وخطة جهاز السياحة في ذلك هي تأمين مرشدين سياحيين في المناطق التي نالت أهمية تاريخية من خلال الدراسات مثل سيد الشهداء منطقة الجذب داخل المدينة وخارجها، وموقع غزوة احد لتوعية وتوجيه الزائرين وإرشادهم.
جبل الرماة
على بعد أمتار من مقبرة شهداء أحد وفي الناحية الجنوبية الغربية للجبل العظيم يقع أصغر جبل في العالم , يقف على قمته زوار المكان الذين يحرصون على مشاهدة جبل احد ، هذه الكومة الصخرية هي (جبل الرماة) وهو الجبل الذي اعتلاه رماة غزوة احد بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم ليحموا ظهير الجيش ويمنعوا تسلل المشركين من خلفه، وهو جبل صغير لونه احمر كان ممتداً من الشمال الى الجنوب مع شيء من الميل نحو الشرق وبقربه مجرى وادي العقيق، وهو قليل الارتفاع بني عليه في العهد العثماني مسجد صغير وبعض البيوت التي أزيلت مؤخراً، وقد تضاءل حجمه وارتفاعه حالياً بسبب ارتفاع مستوى الأرض المجاورة له بالطمي الذي كانت تخلفه السيول من وادي العقيق، وبسبب تحسين المنطقة وشق الطرق حولها لذلك تبدو بقاياه اليوم دون ما كانت عليه من قبل، يتجمع تحته في الساحة الصغيرة بينه وبين قبور الشهداء بائعو التمور والسبح والمكسرات وبعض الأحجار الكريمة وبعض الأعشاب والنباتات المفيدة كما تتراص سيارات بيع المثلجات والتسالي في ذلك الموقع الممتلئ بالزائرين طيلة السنة وفي كل المواسم.

No comments:

Post a Comment