صيام المودعين
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
فإن استشعار الوداع يعطي دافعًا للمرء ليزيد في عمله وهذا الشعور يضاعف في نفسه ضرورة اغتنام الأوقات التي قد لا تعود، من ذلك قول الصحابة الأبرار للنبي عندما وعظهم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، وخشعت لها القلوب كأنها موعظة مودع، وكذا في حجة الوداع قال لهم «لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»
وهذا الشعور بالوداع وَلَّدَ عندهم دافعًا للاستماع والإنصات يفوقه في أي وقت آخر، ومن هنا ندرك معنى قول النبي لأحد أصحابه «إذا قمت في صلاتك، فصلِّ صلاة مودع» بهذه النظرة يجب أن نستقبل شهر رمضان استقبال المودعين، وهذا لا ينافي استقباله بالفرح والبشرى، بشرى الشوق لبركاته ورحماته في كل ساعاته وأوقاته، وقد كان يبشر أصحابه بقدوم هذا الضيف الكريم بقوله «قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران» أليس من الحرمان عدم اغتنام الأوقات في شهر هذه صفاته وتلك نفحاته لقد كان سلفنا الصالح يترقبون هذا الشهر ويدعون الله عز وجل أن يسلمهم رمضان، فإذا وُفقوا لطاعة الله وهدوا إلى عبادته دعوا الله أن يتقبل منهم
وحول هذا المعنى يقول ابن رجب رحمه الله «إن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرئي في النوم سابقًا لهما، فقال النبي «أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه، فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض» أخرجه أحمد في مسنده، وصححه الألباني أتى رمضان مزرعة العبادلتطهير القلوب من الفسادفأد حقوقه قولاً وفعلاًوزادك فاتخذه للمعادفمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادمًا يوم الحصاد
فهيا بنا
أخي المسلم ستحضر شعور صيام المودعين، هيا نخص الشهر الكريم بمزيد من الاعتناء وتحقيق هذا عن طريق:
- الحرص على عدم تضييع صلاة الجماعة وإدراك تكبيرة الإحرام للفروض الخمس والحرص على تلاوة القرآن بتدبر وتأمل؛ التلاوة من أجل العمل وإقامة الحدود قبل سرد الحروف.
- إدخال السرور على الفقراء والمساكين واليتامى بالتوسعة عليهم وبذل المعروف لهم
- الحرص على اغتنام الأوقات في الطاعات من تسبيح وتهليل واستغفار وعدم التفريط في الأوراد
- الحرص على صلاة القيام فهي شرف المؤمن كما أخبر النبي حيث أخبر أن جبريل قد أوحى إليه فقال «يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت،
وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس».وقيام رمضان يختلف عن قيام غيره لشرف الزمان فضلاً عن أن له خاصية قال فيها «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» -
الإكثار من الصدقة حيث كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
- الحرص على أداء العمرة في هذا الشهر الكريم، فعمرة فيه تعدل حجة فيما سواه لشرف الزمان، فحرمته الزمانية تعدل حرمة مكة المكانية.
- الحرص على اعتكاف العشر الأواخر منه، والانقطاع للعبادة، وترك الدنيا بفتنتها وشهواتها.- الحرص على غض البصر عن المحرمات في هذا الشهر الكريم حتى يألف العبد الطاعة بقية العام، وحفظ البصر واللسان يضمنان للمؤمن الجنة كما قال «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» رواه البخاري وفي قوله لعلي رضي الله عنه «يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» رواه الترمذي الحرص على حفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والهمز واللمز والزور، وقد قال «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري. وقال «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» أخرجه مسلم ورمضان فرصة لتعويد اللسان على الصمت والعبودية، وعبودية اللسان قسمها ابن القيم إلى واجب ومستحب ومحرم ومكروه
- الحرص على تعاهد الدعاء في هذا الشهر الكريم فليس شيء أكرم على الله من الدعاء، ورب العالمين يحب من عبده أن يسأله، وهو جل شأنه حيي كريم ستير يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا، وللصائم عند فطره دعوة لا ترد، وكذا كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما إذا أفطر دعا أهله وولده عند الفطر ودعا الله أسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يحسن ختامنا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
No comments:
Post a Comment