Thursday, September 25, 2008

MULAHAZHOT ROMADHONIYYAH


ملاحظات في الشهر الفضيل


بدأ شهر رمضان الكريم في لملمة أيامه وساعاته استعداداً لمغادرتنا، دون أن يدرك أي منا كيف انقضت أيام هذا الشهر الفضيل حتى أوشكنا أن نودعه دون أن نشعر بذلك. هذا الضيف السنوي الخفيف الذي يطلّ كي يوقظ في نفوسنا مكارم الأخلاق ويساعدنا على التخلص من مساوئها قد يأتي أحياناً ويذهب وكأنه يمرّ مرور الكرام، دون أن يترك أثراً في النفوس.

المؤسف في الأمر أن السلبيات التي أصبحت مرافقة لشهر رمضان كثرت وانتشرت حتى أصبحت علامات مميزة عليه، وغابت كثير من الإيجابيات التي كان الأجدر بها أن تنتشر وتبرز للسطح كي تعطي الصورة الحقيقية للمقصود بالامتناع عن الطعام والشراب خلال نهارات هذا الشهر.

إحساس غريب بدأ يأخذ مكانه بيننا، وهو أن يشعرك شخص بالتفضل عليك وعلى من حولك لأنه صائم، أو يشي خطابه بأنه يمنّ على ربه بامتناعه عن الطعام والشراب «لأجله». مثل هذا الإحساس كان يصل إلينا من بعض زملاء الدراسة أثناء سنيّ الاغتراب، حين كان كل موظف أو سائق سيارة أجرة أو أي شخص تلتقيه مروراً في الشارع أو الجمعية يحاول أن يوصل لك إحساساً بأنه صاحب فضل على البشرية لأنه صام امتثالا لأوامر رب العالمين، وكأن كل واحد من هؤلاء يريد أن يشعر الآخرين أنه إنما يصوم لأسباب أخرى لا تتعلق به هو شخصياً، مع أن جوهر الصيام هو أن يهذب نفس الصائم نفسه، وأن يرفعه عن مستوى الشهوات الدنيوية -خلال فترة محدودة- يعيش فيها لذة الجانب الروحي.

الأكثر غرابة هو أن يشعر الشخص أنه لا يستفيد شيئاً من صيامه، بل إنه يشعر معه بالحرمان فقط لأنه ممتنع عن قهوته أو عن «سيجارته»، وكأن امتناعه المؤقت عن هذه الأمور ليس في مصلحته أولا وأخيراً!

مثل هذا الإحساس لم نكن نلمسه في مجتمعنا من قبل، لكنه الآن موجود، على الرغم من أنه يبدو غريباً علينا، إلا أنه موجود، والخوف هو أن يبدأ في التسرب إلى عدد أكبر من النفوس بعد أن بدأ يطل بوجهه على استحياء في البداية.

أمر آخر لفت انتباهي في موضوع الصيام، وهو أننا نفصل ما بين نهار رمضان وليله بشكل سافر؛ فالنهار هو وقت الامتناع..

عن كل شيء، والليل هو وقت الإقبال على كل شيء، إذ يظن كثير من الناس أنهم يجب أن يمتنعوا في نهار رمضان عن الأكل والشرب، وبالإضافة إلى ذلك أن يمتنعوا عن العمل والزيارات وكل شيء من الممكن أن يخطر على البال، وحجتهم أنهم صائمون، ومن الصعب عليهم أن يمارسوا هذه الأعمال مع الصوم. الكثير من الأمور تُعطَّل فقط لأن هؤلاء الناس لا يريدون أن يعملوا أثناء فترة صيامهم.

ويوجد عدد من الناس يؤجلون كثيراً من الأمور المهمة إلى ما بعد شهر رمضان، لأنهم لا يستطيعون أداءها بشكل جيد خلاله. لكن المشكلة هي أن هؤلاء الناس أنفسهم وغيرهم أيضاً يقبلون على جميع ما يمكن مزاولته من أنشطة وزيارات في مساءات رمضان التي تجعلها المطاعم الكبرى والفنادق الشهيرة موسماً لزيادة أرباحهم على حساب هذا الشهر الفضيل.

إن الإعلانات عن السهرات الرمضانية التي تروج لها المطاعم والفنادق والمجمعات التجارية الكبرى لا تخلو من إغراء ما، إما بوجود مطربة أو مطرب، أو بوجود فرقة موسيقية ما، أو ممثل أو أي شخصية أخرى قد تكون مناسبة لأي سهرة في أي شهر آخر غير شهر رمضان الذي يرتبط دائماً بالجانب الروحي، ويسعى فيه الجميع إلى تعزيز هذا الجانب أكثر من غيره، لأننا نرفّه عن أنفسنا خلال بقية شهور السنة دون أن نبخل عليها بشيء، لكننا كثيراً ما نهمل الجانب الروحي، ولا توجد لنا فرصة للاهتمام به إلا هذا الشهر، لكن المغريات تزيد في هذا الشهر فكيف يمكن لشرائح المجتمع المختلفة أن تقاوم هذا الإغراء الذي يلبي رغبة موجودة في كل نفس بشرية!

من السلبيات التي يمكن التوقف عندها أيضاً فيما يتعلق بالشهر الفضيل كثرة الحوادث المرورية خصوصاً في الوقت السابق لأذان المغرب، وهو ما يحمل دلالة واضحة على أن التعليق الذي يُلقى من بعض المغرضين في سياقات مختلفة، وفحواه أن الصائمين يفقدون عقولهم في الوقت السابق للإفطار، قد يحمل قدراً من الصحة.

مثل هذا التعليق نسمعه كثيراً من بعض الذين لا يتحمسون لموضوع الصيام من المسلمين أنفسهم أو من غيرهم. ربما يجب أن نذكر أن الخدمة التي توفرها بعض محطات البترول للصائمين، بتوفير الماء والتمر لمن يمر بها خلال وقت أذان المغرب تعدّ خطوة موفقة جداً، مع أن هؤلاء الذين يفقدون عقولهم ويحولون الشوارع الآمنة إلى مضمار لسباق السيارات لن تكفيهم بضع تُميرات يحلون بها صيامهم، لكنها على الأقل أفضل من أن يبقى مثل هذا الشخص صائماً حتى يصل منزله، إن وصله سليماً.

أمر آخر لفت انتباهي في هذا الشهر الفضيل هو جرأة بعض الأشخاص في إعلان عدم صيامهم، وعدم رغبتهم في الصيام، وعدم اقتناعهم بالصيام أساساً، على الرغم من أن هذا الرأي -بكل ما يتضمنه من معصية ومخالفة للأوامر الربانية- كان الأفضل لصاحبه أن يحتفظ به لنفسه، فلا هو في حاجة لإعلانه، ولا نحن في حاجة لسماعه، على الأقل من باب المحافظة على الشعور العام، ومع هذا نجد بعض مواقع الإنترنت تزخر بأشخاص يرددون هذا الكلام دون أدنى قدر من المبالاة.

No comments:

Post a Comment