الدين مؤاخيا للعقل ودليل المدنية بالعلم
الإاسلام يدعو إلى التفاؤل ويرفض التواكل، ويلحّ على تحرير العقول والنفوس من أسر العقائد، فالدين مؤاخيا للعقل لأول مرة فى تاريخ الإنسان، وكما آخى الاسلام بين الدين والعقل آخى بين الدين وبين المدنية، فقرّر أن الدين ليس عدوا للمدنية بل هو دليلها الصادق، ولما كان العامل فى ايجاد المدنية المادية هو العلم قرّر الاسلام أن العلم فريضة إنسانية "هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون" "الزمر آية 10".فمن مبادئ الإسلام التسامح الديني، فالإسلام يدعو أتباعه أن يبروا الأجانب عن دينهم ويعدلوا معهم، إذا كانوا لم يقاتلوهم فى الدين ولم يخرجوهم من ديارهم. "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" "الممتحنة آية 8". وأخبار السنين الأولى مليئة بالأمثلة الرائعة من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء الأديان القديمة من ذلك مثلا عهد النبى صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران الذى حوى احترام منشآت النصارى، ثم هذه القواعد التى زود بها معاذ بن جبل عند ذهابه إلى اليمن "لا يُزعج يهودى فى يهوديته"، ومثل ذلك حدث فى الخلافتين الصديقية والفاروقية وكذلك فى عهد عثمان وعلي.الاسلام يشجّع الكفاءات الأجنبية فالطبيب المسيحى والمترجم العبري، والرياضى الهندي، والموسيقى الفارسي، كانوا جميعا يستطيعون أن يطمئنوا إلى أنهم واجدون التقدير وحسن الجزاء. فحرية البحث والنظر من ميزات الإسلام، ولهذا ظهرت عشرات المذاهب المتباينة فى الرأى والتأويل ولم يبق منها إلا أربعة لكثرة أتباعها، وتقصير المسلمين فى النظر فى قصورهم على اللحاق بشأن الأقدمين فى العلم رغم أن الأيمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، لا يدّعون أنهم وصلوا إلى الحق المبين ولا يحتمون على أتباعهم الأخذ بما قالوا إلا بعد تفكّر وتشوق.فالإمام أبو حنيفة كان يقول "هذا رأى أبى حنيفة وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب". والإمام مالك بن أنس كان يقول لأصحابه إذا استنبط حكما من الأحكام "انظروا فيه فإنه دين وما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا صاحب هذه الروضة" يقصد رسول الله عليه الصلاة والسلام. وكان الإمام الشافعى يقول للربيع "يا أبا اسحاق لا تقلدنى فى كل ما أقول وانظر فى ذلك لنفسك فإنه دين"؛ وكان الامام أحمد بن حنبل يقول "انظروا فى أمر دينكم فإن التقليد لغير المعصوم مذموم وفيه عمى للبصيرة".ولما كان الإسلام دين توحيد لا دين تفريق، العقل من أشد أعوانه والنقل من أقوى أركانه والخلاف الجدلى بين أهل العقل والنقل هو خلاف فى غير الثوابت والآيات البينات، فالكل على وفاق والأحكام الدينية واجبة الاتباع والذى اختلفوا فيه ترك خصوبة وثراء، فالدين القيم هو دين الفطرة ودولة الحرية وحضارة الإنسان "إن الدين عند الله الاسلام" "آل عمران آية 19"، "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين" "آل عمران آية 84".إذن، الاسلام يرفض العنف "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" "آل عمران آية 159"، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة، وعلي، وأمامة، وأنس "إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطى عليه ما لا يعطى عن العنف". ويرفض الغلو "يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سبيل الله" "المائدة آية 77"، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس "إيّاكم والغلو فى الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو فى الدين".فالاسلام يدعو إلى إقامة شريعة حية نامية قابلة للتطور تساير الواقع مثلما حصل فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حيث استطاعت أن تساير امتداد الفتح وما نشأ عنه من اتساع نظرة الإسلام بالقياس إلى الظروف المحلية للحياة والعادات والشعوب الجديدة التى دخلته، وانطوت تحت لوائه، ولما كان الاسلام دينا للكل لا لفئة ويعمل على هدى الإنسان فى الدنيا والآخرة بإقامة دين حنيف وإنشاء دولة حرة، فقد جاء بمجموعة من المبادئ والأحكام التى تنظم له مناشطه فى الحياة: حياته وحياة الآخرين، أى فى الحياة بجميع أبعادها الروحية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية...فالانسان فى علاقة مباشرة بينه وبين ربه عز وجل، فالله قريب من عباده ولا وجود لواسطة بينه وبين عبده. فالانسان للإنسان موجه فقط والرسول مبلغ فقط "ما على الرسول إلا البلاغ" "المائدة آية 99" فالدين مؤاخيا للعقل ودليل المدنية بالعلم، والعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
No comments:
Post a Comment