رمضان وبعث الأخلاق فى الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد مع قدوم رمضان تهيج في القلب ذكريات البدايات، نزول القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين، تغيُّر وجه الحياة على الأرض، بعد أن ضاقت من كثرة العصاة عليها، حتى مقتهم الله جميعًا إلا بقايا من أهل الكتاب إن بعثة النبي كانت إيذانًا برفع المقت عن أهل الأرض، وأُمر النبي بالبلاغ، فانقسم الناس إلى فريقين؛ فريق مؤمن مصدق، وفريق كافر مكذب، وكان الفريق الكافر المكذب هم أكثر الناس حينئذٍ، لكن الجميع مؤمنهم وكافرهم شهد أن النبي جاء بالدعوة إلى توحيد الله تعالى وبمحاسن الأخلاق، وشهد القاصي والداني بذلك، إذ كانت الدعوة إلى صالح الأخلاق والنهي عن سيئها سمة بارزة في قول النبي وفعله، فمن أمثلة ذلك كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما بلغ أبا ذر مبعث النبي قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق الحديث البخاري ، ومسلم وكذلك لما سأل النجاشي جعفر بن أبي طالب ومهاجري الحبشة ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من الملل؟ قال جعفر أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الحديث حديث حسن، أورده ابن هشام في السيرة، وابن كثير في البداية والنهاية، والبيهقي في الدلائل .ولما سأل هرقل، أبا سفيان بن حرب قبل إسلامه عن النبي ودعوته والحديث في البخاري ، كان من أسئلة هرقل فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت القائل أبو سفيان لا قال فهل يغدر؟ قال لا.ثم سأله ماذا يأمركم؟ قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. وكانت أخلاق النبي معتمده في دعوته الناس، وخاصة قريش اًلذين عايشوه صبيًا وشابًا حتى اشتهر بينهم بـ «محمد الأمين» فلما أُمر أن يبلِّغ، كان يستهل دعوته بقوله هل جربتم عليَّ كذبًا ؟ فيقولون لا ويعلنها رسول الله كما بحديث أبي هريرة رضي الله عنه إنما بعثت لأتمم صالح مكارم الأخلاق رواه أحمد في المسند، والحاكم، وقال هذا حديث صحيح، ووافقه الذهبي، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني وشهد الله تعالى لنبيه بالخلق العظيم، فقال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم ويالها من شهادة ممن يعلم السر وأخفى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويالها من شهادة كبرى وتكريم عظيم، مما لا يبلغ إدراك مداه أحدٌ من العالمين فمن الممكن أن يشهد بعضنا لبعض بالخُلق الحسن، ولكن شتان بين شهادة وشهادة، فشهادتنا شهادة قاصرة، مقوماتها ما نرى وما نسمع فقط وقال الله تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّـهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ آل عمران وكيف لا يكون كذلك ، والقرآن كلام الله كان خُلقه، كما بالحديث الطويل في «صحيح مسلم» عن سعد بن هشام، لمَّا جاء المدينة واستأذن على عائشة رضي الله عنها يسألها فقلت يا أم المؤمنين، انبئيني عن خُلق رسول الله قالت ألست تقرأ القرآن ؟ قلت بلى قالت فإن خلق نبي الله كان القرآن قال فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدًا عن شيء حتى أموت ويقول أنس رضي الله عنه كان رسول الله أحسن الناس خلقًا متفق عليه ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما لم يكن النبي فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول «إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا» متفق عليه والفاحش هو من زاد على الحد في الكلام السيئ، والمتفحش المتكلف والمبالغ في الفحش فما من مقام من مقامات الدين إلا وكان الرسول على قمته، كان عطوفًا على من حوله ويودهم ويدوم لهم على المودة طوال حياته، فانظر إلى محبته إلى مرضعته حليمة، رضي الله عنها، فكلما رآها يهتف بها أمي أمي، ويفرش لها رداءه، ويعطيها من الإبل والشاء ما يغنيها في السنة الجدباء ولم ينس حضانة أم أيمن، رضي الله عنها، له، ومازال يناديها يا أُمَّهْ، يا أُمَّهْ وقد اتسع عطفه حتى بسطه للأحياء كافة، فكان يصغي للهرة الإناء فتشرب، ثم يتوضأ بفضلها صحيح الجامع وكان يواسي في موت عصفور صغير يلهو به أخو أنس «يا أبا عمير، ما فعل النغير» بل شمل عطفه الجماد كأنه من الأحياء، فكانت له قصعة يُقال لها الغرَّاء، وسيف يُسمَّى ذو الفقار، ودرع تسمى ذات الفضول، وسرج يسمى الداج، ومقراض يسمى الجامع، وقضيب يسمى الممشوق ففي تسميته تلك الأشياء بالأسماء معنى الألفة، التي تجعلها أشبه بالأحياء المعروفين وكان إذا غضب على أحد أصحابه، فلا يزيد في المعاتبة عن قوله ما لهُ؟ ترب جبينه والحديث بتمامه في البخاري فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ وأنه خير خلق الله كلِّهِمُبل كان نبل أخلاقه حتى مع أعدائه، فعن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي ، فقالوا السام عليكم السام يعني الموت والهلاك فقالت عائشة عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم قال «مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش» قالت أَو لم تسمع ما قالوا قال أوَ لم تسمعى ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيَّ متفق عليه ويأمر أصحابه بجميل الأخلاق وينهاهم عن قبيحها، فيقول «سباب المسلم فسوف وقتاله كفر» البخاري وقال «لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» البخاري وقال «تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه» البخاري وقال «ومن لعن مؤمنًا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقتله» البخاري وقال « إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» البخاري وقال « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» البخاري وقال «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا» البخاري وقال «آية المنافق ثلاث إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» البخاري وقال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» البخاري وقال «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن يحزنه» البخاري ومسلم، واللفظ له وقال «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» مسلم وهذه الأحاديث غيض من فيض ؛ لأن النبي ما ترك شيئًا من محاسن الأخلاق إلاَّ أمر به، ولا شيئًا من قبيحها إلا نهى عنه حتى في معاملة الحيوانات والطيور والأشجار والأحجار، أمر بالإحسان إليها فلو جاز لنا أن نضع اسمًا مرادفًا لدين الإسلام، لسميناه دين الأخلاق، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ قال أي على دين عظيم ويبين علو مكانة الأخلاق الحسنة، وكيف يرقى المتخلق بها إلى أعلى الدرجات، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت النبي قال ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء صحيح الترمذي، وأبي داود وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سُئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال تقوى الله، وحُسن الخلق وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال الفم والفرج صحيح الترمذي، وغيره وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم» صحيح الترمذي وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله يقول «إن المؤمن ليدرك بحُسن خُلقه درجة الصائم القائم» صحيح أبي داود وغيره وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله «أنا زعيم أي ضامن ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلقه» صحيح أبي داود وغيره وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون» قالوا يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال «المتكبرون» صحيح الترمذي وغيره الثرثار هو كثير الكلام، والمتشدق هو المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه، والمتفيهق يملأ فمه بالكلام تكبرًا على الناس ويمتثل أصحاب النبي وحواريوه بما أمر به من محاسن الأخلاق، حتى تسنموا ذرى لم يصل إليها بشرٌ قط على مدى التاريخ، لا من قبلهم ولا من بعدهم وعنهم أخذ التابعون، وهكذا انتقل هذا العبق الجميل من قرن إلى قرن، حتى كان من أهم أسباب انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فقد أعجب الناس بأخلاق المسلمين عند التعامل معهم، فكم من بلدان دخلها الإسلام عن طريق التجار الذين فتحوا قلوب الناس عن طريق أخلاقهم الفاضلة، فكان الناس يرون فيهم الأسوة الحسنة، والمثل العليا، فكانوا دعاة قبل أن يكونوا تجارًا فمن رمضان إذن ؛ بدأ النور يملأ جنبات الأرض توحيدًا وأخلاقًا، خاصة إذا علمنا بنظرة أوسع أن الأخلاق لا تقتصر على التعامل مع الناس فقط، بل هي مع الله أولاً قبل أن تكون مع الناس فحُسن الخلق على قسمين القسم الأول بين العبد وربه سبحانه وتعالى بأن يكون حيث أمره الله أن يكون، منشرح الصدر بأوامر الله ونواهيه، يفعل ما أُمر به طيبة نفسه به، وينتهي عما حُرم عليه راضيًا به غير متضجر، يرغب في نوافل الخير، ويترك الكثير من المباح لوجهه سبحانه وتعالى، إذا رأى أن ذلك أقرب إلى العبودية وأن يسير في طريقه إلى ربه على جناحي الشكر والاعتذار، وأن يعلم أن كل ما يأتي منه تعالى يوجب شكرًا، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لاَ تُحْصُوهَا إبراهيم وأن كل ما يكون من العبد يوجب اعتذارًا، فلا تزال شاكرًا له معتذرًا إليه سائرًا إليه بين مطالعة منته وشهود عيب نفسك وأعمالك القسم الثاني وهو فيما بين الناس، بأن يبذل المعروف قولاً وفعلاً، وأن يكف الأذى قولاً وفعلاً، أن يكون سَمحًا لحقوقه، لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن أحسن ولم يُقَابَلْ إحسانُه بإحسان لم يغضب، ولم يحزن، لأنه ينتظر الجزاء من رب الجزاء يقول الماوردي حُسن الخلق أن يكون سهل العريكة، لين الجانب، طلق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة وروى الترمذي عن عبد الله بن المبارك في تفسير حُسن الخلق، قال هو طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى
كيف تبدل الحال؟ ومع هذه النصوص والتزام السلف بها إلا أنه قد جاء خلفٌ أضاعوا فيما أضاعوا هذا الميراث الذكي، وصدق الرسول عندما قال «ما من عام إلا والذي بعده شرٌ منه، حتى تلقوا ربكم» سنن الترمذي، والسلسلة الصحيحة فنزلنا من قمة وارفة ظليلة إلى وهدة صفراء جديبة، فغاب عنا إلا من رحم الله جميل الأخلاق التي أمرنا الله بها، وأمرنا بها رسوله وعاشها واقعًا حياتيًا، وتحملها من كل قرن عدوله، وبها فُتحت مغاليق القلوب الموصدة، وأبواب القلاع المشيدة
داء الأمة العضال أحسب من وجهة نظري والله أعلم أن الداء العضال للأمة الآن هو في فساد الأخلاق، وأتساءل متحيرًا ومن أين جاءنا هذا الداء اللعين؟ فالقرآن والسنة حصنان تركهما النبي كالمحجة البيضاء الواضحة، وأرى أن لذلك أسبابًا منها تفلت الناس من الدين وعدم التزامهم بأوامره ونواهيه الجهل الذي تفشى وعدم طلب العلم الشرعي، فلم يعرفوا لله قدره، ولم يتخذوا الرسول أسوة، ولم يفرقوا بين معالي الأمور وسفاسفها، ورأوا الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والكمال نقصًا والنقص كمالاً ضعف الإيمان باليوم الآخر، الذي هو محرك القلوب نحو مرضاة ربها، والاستغراق في اللحظة الآنية الدنيا التي نحياها، وعدم التأمل في أن الدنيا وإن طال أمدها فهي إلى انتهاء وزوال قال تعالى اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ الحديد الشهوة التي تحمله على الحرص والبخل والشح وعدم العفة والجشع والدناءات كلها الغضب الذي يحمله على الكبر والحسد والعدوان، والسَّفه ضعف القائمين على التربية، سواءً في البيوت أو المعاهد أو المدارس، والله تعالى سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه غلبة النظرة المادية بين الناس، وسطوة المال والجاه والنفوذ، حتى صار هذا هو الفكر المسيطر على غالب الناس انحراف أغلب وسائل الإعلام عن تعليم الناس مكارم الأخلاق، وبث العري والتفسخ وإبراز النماذج السيئة حتى صاروا هم قدوة الفتيان والفتيات السطحية والتفاهة التي صارت هي السمة الغالبة للشباب ذكورًا وإناثًا إلا من رحم ربي هيا نزكي نفوسنالقد أقسم الله عز وجل أحد عشر قسمًا متتاليًا، لم تأت إلا في موضع واحد من القرآن، على أن الفلاح منوط بتزكية النفوس، قال تعالى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا الشمس ، وتزكية النفوس مِلاك دعوة الرسل بعد التوحيد، فهذا موسى عليه السلام يقول لفرعون هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى النازعات وكان من دعائه «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» مسلم والله تعالى قدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ البقرة فتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد مدارج السالكين بتصرف
سوء الأخلاق يحبط العمل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدَّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله «لا خير فيها، هي من أهل النار» قيل وفلانة تصلي المكتوبة وتصدَّق بأتوار من الأقط ، ولا تؤذي أحدًا، فقال رسول الله «هي من أهل الجنة» أتوار جمع تور، وهو إناء من صفر رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم، وهو في السلسلة الصحيحة وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال «أتدرون ما المفلس؟» قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» مسلم
هل يمكن اكتساب حُسن الخلق ؟ يقول ابن القيم يمكن أن يقع كسبيًا، وقد قال النبي لأشج عبد القيس رضي الله عنه «إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة» فقال أخلقين تخلقت بهما، أم جبلني الله عليهما ؟ فقال «بل جبلك الله عليهما» فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله متفق عليه فدل الحديث على أن من الخُلق ما هو طبيعة وجبلة، وما هو مكتسب قال أهل العلم في بيان الأسباب التي ينال بها حُسن الخلق أحدها جود إلهي وكمال فطري، بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل حسن الخلق، قد كفي سلطان الشهوة والغضب، فيصير مؤدبًا بغير تأديب والثاني اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة وحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب فالأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة مجاهدة النفس وهي تكلف الأفعال الصادرة ابتداءً لتصير طبعًا انتهاءً قال رسول الله«إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يُعطه، ومن يتق الشر يُوَقِّه» صحيح الجامع والثالث بمشاهدة أرباب الأفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح، إذ الطبع يسرق من الطبع، الشر والخير جميعًا فإذا كان كما رأيت يمكن اكتساب جميل الأخلاق بالمجاهدة والصبر، فليس هناك وقت أفضل من شهر رمضان لنبدأ في هذا جاهدين وآملين أن نجعل من شهر رمضان انطلاقة لبعث أخلاق الأمة من رقدتها والله المستعان
No comments:
Post a Comment