Friday, September 19, 2008

cari ilmu


أتبعك على أن تعلمني رشدا


في كل مفتتح سنة دراسية نتذكر تعاليم ديننا الحنيف من خلال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «العلم حياة الإسلام، وعماد الإيمان، ومن علم علما أتم الله له أجره، ومن تعلم فعلّم علّمه الله ما لم يعلم».

لقد قام الإسلام على العلم فدعا كل مؤمن أن يتعلم، ونوه بالتعلم تنويها ما نجده في غيره. فهو منة من منن الله على رسوله أن تولى رب العزة تعليمه، قال تعالى «وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما» (النساء آية 13). فإذا كان العلم هو النور الذي يشع على القلوب هداية وخيرا وصلاحا فإن في إكرام العلماء تمسكا بحدود الله لأن العلماء ورثة الأنبياء فمن ساعدهم على نبيل مهمتهم فإنه قد أكرم بذلك الله ورسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكرموا العلماء فإنهم ورثة الأنبياء فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله».

ولا يكون العالم مؤهلا لهذا التكريم إلا إذا كان وفيا لمقتضيات علمه، قال صلى الله عليه وسلم «خيار أمتي علماؤها وخيار علمائها رحماؤها» ومن واجبات العالم أن يبذل علمه للطالبين وألا يكتمه، قال تعالى «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه» (آل عمران آية 187) ميثاق أخذه الله على العلماء أن ينشروا ما علموا بين الناس وأن يجيبوا من سألهم عن حكم الله فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كتم علما على أهله ألجم يوم القيامة لجاما من نار» وحرض الإسلام على السؤال فقد روي عن علي رضي الله عنه «العلم خزائن ومفتاحها السؤال فسلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم».

أما بالنسبة للمتعلم فقد حرض الإسلام على مواصلة الجهاد الفكري وكشف للبشر شرف الجهاد في سبيل تحصيل العلم فقال عليه الصلاة والسلام «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب». هذا التعلم يقتضي من الآباء السهر على تعليم أبنائهم وأن يواصلوا مراقبتهم فالولي الصالح هو الذي يتابع منظوره بعناية تامة ويمتنع عن كثير من شهواته ليعطي لمنظوره المثال الصالح، كما يقتضي من التلميذ صبرا على العمل وعلى موصول الجد وإلى محض نشاطه الذهني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما العلم بالتعلم» فالعلم لا يتمكن منه الطالب بسهولة ويسر ولكنه في حاجة إلى معاناة وإلى ترك كثير من الشهوات حتى تألف النفس طلبه فيغدو متعة وعندها يستطيع الآباء أن يطمئنوا على نجاح دورهم في التربية.

كلنا ندرك أن الإنسان يتحمل في سبيل المعرفة مشقة التعلم والتحصيل ومشقة العمل بالعلم، ومشقة بثه في الناس وكلما ازداد الإنسان علما نمت قيمته وازداد رفعة في سلم الإنسانية «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» (المجادلة آية 11)، والعلم يشمل جميع شؤون المعرفة الإنسانية، ولهذا يدعو الإسلام إلى الرحلة في طلب العلم إذا لم يتيسر إلا في مكان بعيد، فالسعي في كسب المعارف أعظم أنواع العبادات يقول النبي صلى الله عليه وسلم «قليل العلم خير من كثير العبادة» كما أن العبادة التي لم يكن أساسها علما من كتاب أو سنة لا خير فيها ولا قيمة لها عند الله، ففي الحديث النبوي «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد».

سمع موسى عليه السلام أن في الكون عبدا أعلم منه فسار إليه طويلا حتى التقى به وطلب منه العلم بأدب واستعطاف قائلا «هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا. قال إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خُبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا» (الكهف آيات 66-69). فالصبر نصف الإيمان فلنتحلّ به لرفع الجهل، فليصبر المعلم في تبليغ المعلومة الصحيحة من العلم كما صبر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة للناس، وليصبر طالب العلم في كسب المعارف حتى يبلغ درجة العلماء أهل الذكر كما صبر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن بلغوا درجة تسمح لهم بتبليغ مضمون الرسالة الإسلامية لمن يجهلها.

وليصبر الولي في السهر على تنمية معارف أبنائه كما تصبر الأم على إرضاع أطفالها لينموا نموا سليما قويا يستطيعون بعدها الكفاح الجالب للفلاح والنصر في هذا العالم الدنيوي وفي العالم الأخروي. فرفع الجهل والأمية ونشر المعارف والتعلم هو أغلى وأعز صدقة على المحتاجين للعلم والمعارف ومن حق الناشئة أن تقول لأهل العلم والذكر: نتبعوكم على أن تعلمونا رشدا.

No comments:

Post a Comment