Tuesday, September 23, 2008

UMAT ITU AKHLAK


وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
سيكون بيننا وبين الشهر الفضيل عند نشر هذه المقالة أسبوع لا أكثر, فماذا أعددنا لاستقباله من أخلاق تليق بمقامه بيننا؟ وأين نحن العرب المسلمين من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام:(إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)؟لا أقصد أن أكتب مقالة في التزكية والإيمان, فهذا له موضعه وأهله, لكن التدين الذي يشتهر به العرب عموماً أضحى شكلياً بحيث يكاد رمضان يصبح شهراً للأطعمة والمسلسلات أكثر منه للعبادة وفعل الخير, وإنه لمن المحزن أن نرى تحوّل الإسلام إلى طقوس شعائرية - حسب مواسم الحج والعمرة وذبح الأضحية وغيرها - أكثر منه روحاً تحرّك الفرد وتحفّز الجماعة إلى التطور والتغيير.الأخلاق نوعان: أخلاق محمودة وأخلاق مذمومة, ولو استقرأنا أحوال المجتمعات العربية كلها من الخليج إلى المحيط, لوجدنا انتشار المذموم من الأخلاق في الوقت الذي تكاد الأخلاق الحميدة تصبح هامشية إلى حدٍّ كبير, مع ملاحظة المفارقة بين ازدياد عدد الوعاظ والدعاة والمساجد وحتى القنوات الفضائية الإسلامية وبين تدهور الأخلاق الفردية والاجتماعية.يأتي الكذب على قمة الأخلاق المذمومة, وهذا ليس مجرد رأي بل يكفي أن نتذكّر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن المؤمن هل يسرق أو هل يزني فأجاب بنعم, وعندما سئل عن المؤمن هل يكذب كان جوابه بالنفي, وكذلك الحديث الذي يوضّح أن الكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار, وأن هذه الصفة السيئة تصبح ملازمة لصاحبها عندما تتكرّر مرة بعد أخرى, ولا ريب أن الذي يكذب مرة مضطراً من أجل إصلاح ذات البين أو بغاية دفع الظلم عن نفسه أو عن غيره, يختلف عن ذلك الذي اعتاد الكذب حتى أصبح كلامه كله سراباً وأوهاماً, ومن ابتلي بأحد الكذابين في محيطه الأسري أو العملي, يدرك صعوبة التعامل مع شخص من هذا النوع, وإذا أردت أن تكشفه لمن حولك فإن ثمن ذلك قد يكون باهظاً إذ يؤدي إلى قطع الرحم أو قطع الرزق, وقد يكون رزقك أنت لا رزق الكذاب, وذلك في حال كونه الأقدر على لحس دماغ المدير في العمل!من الأخلاق السيئة أكل حق الضعيف, وهو أمر سهل عندما لا توجد قوانين تحمي الضعيف من القوي, أو عندما لا يوجد من يراقب تنفيذها في حال شرعت القوانين التي تحفظ الحقوق لأصحابها, وأبسط مثال على ذلك الأجير الذي أوصى به رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال:(أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه), وإن أنس لا أنس خطبة أحد شيوخ الحرم المكي الشريف, عندما نبّه المعتمرين في نهاية شهر رمضان إلى إعطاء العمال أجورهم قبل دخول العيد, فماذا يعني أن تؤدي حق الله عليك بالعمرة والاعتكاف وأنت مهمل لحقوق العباد آكل لأموالهم؟ كما أوصى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالضعيفين فقال:(إني أحرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة) وقلة هم الذين يستطيعون التعامل مع الأيتام - ومثلهم أولاد الطلاق - دون أن يشعروهم بالنقص, وأما المرأة فأضعف ما تكون أمام أولادها, ولذلك يستغلّ الرجل ضعفها ليلوي ذراعها من المكان الذي يؤلمها, فتصبر على وجعها من أجل أن يبقى للأولاد أب, هذا في حال وجود مورد لها, أما إذا كانت معتمدة على زوجها في الإنفاق فمن الصعب جداً أن تستطيع أخذ قرار الطلاق مهما كان ظالماً لها, وتصلني أحياناً شكاوى من نساء على هذه الشاكلة, إذ لا تتمكن المرأة من تحمّل بخل الزوج أو عنفه معها, ولا هي تستطيع أن تعود أدراجها إلى أهلها تاركة أولادها وراءها؛ ناهيك عن الحالات التي يستغل فيه الأولاد أنفسهم ضعف الأم تجاههم؛ ورغم بشاعة هذا النوع من الاستغلال فإن استغلال الأم لضعف ولدها أشد بشاعة, وعندما يقرأ المرء خبراً عن تلك الأم التي قتلت رضيعتها لأن أسرتها رفضت أن تتدخل لإعادتها إلى زوجها فإنه يتساءل: إلى أي حدّ من السوء قد وصلنا؟الكذب وأكل حق الضعيف كثيراً ما يكون سببهما عبادة المال, فحب المظاهر يجعل بعضنا يهوي في مستنقع الكذب مرات ومرات, وفي الحديث الشريف ما معناه:(من تشبّع بما ليس عنده كان كلابس ثوب زور) ويوجد في مجتمعاتنا العربية كثيرون من هذه النوعية, فهذا أخ يطلب من أخيه أن يقترض من البنك كي يقوم "سعادته" بعمل عرس لابنه بغاية أن يتكلم القاصي والداني عن بذخه, وهذا آخر يشتري سيارة موديل هذا العام من أجل أن "يتفشخر" على خلق الله الذين لا يملكون مثلها, وإن كانوا لا يعلمون أنه اشتراها بالدين, وهو لا يبالي ما دام يستطيع أن يُسكت صاحب المال بمعسول اللسان, حتى قلّ الخير وأصبح من المتعذر أن تجد شخصاً يقرض أخاه بسبب انعدام الوفاء وصعوبة تحصيل الدين؛ ومن أسف أن هذه العلل الاجتماعية لم تعد قاصرة على العوام بل باتت منتشرة بين من يُحسبون على الثقافة والمثقفين, ولكنهم ضعفاء أمام المال والمظاهر, فترى أحدهم كل يوم في سيارة وهي في الحقيقة سيارة مستأجرة, فقط ليقال عنه إنه ثري أو ميسور الحال!أما آفة الآفات في رمضان فهي الإسراف, وهي آفة تأكل المال وتجلب الفقر, لأن صاحبها لا يحفظ النعمة ولا يحسب حساباً لأيام الدهر المتقلبة ولا يتذكر الجوعى والمحرومين في بلده أو غيره من بلاد الله, ولقد نبّه التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة بشأن أزمة الغذاء في العالم إلى أن ما يرمى بالقمامة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يعادل 43 مليار دولار, مذكراً أن موارد الكرة الأرضية تكفي البشرية جمعاء, ومثل ذلك ما أوردته صحيفة الوطن لعدد السبت الماضي عن دراسة أجراها مركز رؤية للدراسات الاجتماعية العام الماضي عن نمط الاستهلاك في دول الخليج أوضحت أن 45% من الوجبات التي يتم إعدادها تذهب إلى القمامة, ومعنى ذلك أن ما يرمى يطعم عدداً إضافياً يقارب نصف عدد تلك الدول, وليست البلاد العربية الأخرى محصنة من هذا الوباء, فالأغنياء المنعمون قلّ شعورهم بالفقراء المحرومين إلا من رحم الله, ولذلك تزداد النقمة في قلوب الفقراء, وتتحوّل مجتمعاتنا العربية المسلمة إلى شكل سافر من الطبقية المقيتة مما يؤدي إلى انتشار الجريمة سواء السرقة أو القتل, وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:(في المال حق سوى الزكاة), وهو حق الفقراء من مال الأغنياء وقد توعّدهم بشديد العقاب إذا جاع الفقراء أو عروا.من الآفات الموجودة خارج رمضان وإن كانت تزداد مع اقترابه آفة الغش, فالبضائع المقلدة التي لا تكلّف سوى عدة دولارات تباع على أنها أصلية بمئات الدولارات, وكثيراً ما تعجز العين غير الخبيرة عن كشفها, وقد ذهبت منذ عدة أيام إلى السوق لأشتري حذاء رياضياً فوجدت محلا تجارياً قد اجتمع الناس بداخله فدخلت ونظرت في تلك الأحذية الموضوعة وكلها من الماركات العالمية, فإذا هي مستعملة وقد حاول أصحاب المحل أن يغطّوا على استعمالها بتنظيفها قبل عرضها, وإذا بسيدة واقفة تقلّب الأحذية بتعجب, ثم ما كان منها إلا أن سألت أحد مساعدي البائع: هل هذه الأحذية مستعملة؟ فسكت الرجل, وانتهزتُ فرصة سكوته لأقول بصوت عال: لا.. هي فقط قد قدمت للتوّ من الغسالة, وخرجت من المحل!أقصد من هذا المثال الأخير أن أقول إن الغش هو استغلال ضعف الزبون الذي لا يجد من يشكو إليه, ومثل ذلك الاحتكار والتخزين كي يرتفع سعر البضاعة في رمضان, ومن يحتكر قوت الناس يحارب الناس في لقمة عيشهم, وهؤلاء المحتكرون والغشاشون يحتاجون من يكشفهم للعلن بدون خوف, ومثلهم أيضا المرتشون والفاسدون والذين يستغلون مناصبهم ليأخذوا ما لا يحق لهم.

No comments:

Post a Comment